للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُبَيْدٍ في "الأموالِ": "ولم تَصِحَّ زكاةُ الحليُّ عندَنا عن أحدٍ مِن الصحابةِ إلَّا عن ابنِ مسعودٍ" (١).

وابنُ مسعودٍ صحابيٌّ كبيرٌ متقدِّمٌ، وفقهُهُ معروفٌ، وفُتياهُ تَشتهِرُ عندَ الصحابة، ولو كان مستنَدُهُ الوحيَ القاطعَ، لَعَلِمَهُ الصحابةُ، ولَسَألُوهُ عنه.

وقد جاء عن أنسٍ؛ قال: "إذا كان يُعارُ ويُلبَسُ، فإنَّه يُزَكَّى مرَّةً واحدةً".

أخرَجَه ابن زَنْجَوَيْهِ والبيهقيُّ؛ مِن حديثِ سعيدٍ، عن قتادةَ، عن أنسٍ (٢).

وظاهرُةُ: أنَّ أنسًا لا يَرَى الزَّكَاةَ، والزَّكاةُ لو وجَبَتْ لا تتقيَّدُ بعام ولا عامَيْن، وما يَمَنعُ إخراجَها في عامٍ يَمنَعُها في بقيَّةِ الأعوام، لا العكسُ، ويَظهَرُ هذا مِن وجوهٍ:

الأولُ: أنَّ أنَسًا قال: إنْ كان يُعارُ ويُلبَسُ، فإنَّه يُزَكَّى مَرَّةً واحدةً، ولعلَّ مرادَهُ: يُزكَّى بلُبْسِهِ وعاريَّتِهِ مَرَّةً، ومَن لَبِسَتْهُ أو أعارَتْهُ مَرَّةً واحدةً، فتلك زكاتُهُ, فغيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ والسلفِ يَجعَلونَ زكاةَ الحُلِيِّ عاريتَهُ، وكأنَّ أنسًا جعَل زكاتَهُ باللُّبْسِ والعاريَّةِ لعامٍ واحدٍ يُسقِطُ كونَهُ كَنْزًا، لا أنه يجبُ على المرأةِ أنْ تُزكِّيَهُ ما دامَتْ لم تَلبَسْهُ بقيَّةَ الأعوامِ أو تُعِرْهُ؛ فما كلُّ النِّساءِ تَجِدُ حاجةً فيها ولا عاريَّةً لغيرِها.

الثاني: انَّه جاء عن أنسٍ نفيُ زكاةِ الحليِّ مطلَقًا؛ كما رواهُ البيهقيُّ مِن حديثِ عليِّ بنِ سُلَيْمٍ؛ أنه سألَ أنسَ بنَ مالكٍ عن زكاةِ الحليِّ؟ فقال: "ليس فيه زكاةٌ" (٣).


(١) "الأموال" (ص ٥٤٤).
(٢) أخرجه ابن زنجويه في "الأموال" (١٧٩٦)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٣٨).
(٣) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣/ ١٠٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>