للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يثبُتْ عن النبيِّ أنه دفَعَ الزكاةَ لدَيْنِ ميِّتٍ، ولا عن خلفائِهِ كذلك، وكان النبيُّ يُؤتَى بالميتِ ويَسأَلُ عن دَيْنِه، ولا يطلُبُ له وفاةُ؛ وإنَّما كان يترُكُ الصلاةَ عليه أوَّلَ الأمر، والمَنافِعُ بقضاءِ دَيْنِ الحيِّ أَولى مِن دفعِهِ عن دَيْنِ الميتِ.

وإفراغُ ذِمَمِ الأمواتِ مِن الحقوقِ يعطِّلُ مَصالِحَ الأحياء، ويُضعِفُ حقَّهم مِن الزكاةِ؛ لِكَثْرةِ الحقوقِ التي يموتُ أصحابُها وهي عليهم.

القولُ الثاني: وهو قولُ المالكيَّةِ؛ أنه تُدفَعُ إليه، ورَجَّحَهُ ابنُ تيميَّةَ.

ولا خلافَ أنَّ دَيْنَ الحيِّ عندَ التزاحُمِ أَولى بالقضاءِ مِن الزكاةِ مِن دَيْنِ الميِّتِ.

وأمَّا إنْ كان حيًّا، فهو مِن أهلِ الزكاةِ بالاتِّفاقِ.

والغارِمُ الذي احتاجَ للمالِ بسبَبِ غُرْمِهِ على نوعَيْنِ:

النوعُ الأولُ: غارِمٌ لحظِّ غيرِه؛ وذلك لأجلِ إصلاحِ ذاتِ البَيْنِ؛ كمَنْ يُصلِحُ بينَ رجُلَيْنِ أو جماعتَين، ويَدفَعُهما عن قتالٍ بالصُّلْحِ بينَهما على مالٍ، فيتَحمَّلُهُ بنفسِهِ لِحَقْنِ الدَّمِ ودفعِ النِّزاع، فهذا يَستحِقُّ الدفعَ له مِن الزكاة، ويَحِلُّ له السؤالُ؛ كما ثبَت في مسلمٍ؛ مِن حديثِ قَبِيصَةَ بنِ مُخارِقٍ الهلاليِّ؛ قال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: (أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا)، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ المَسأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الَمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَو قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَو قَالَ: سِدَادًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>