للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضٍ، ويختلِفونَ في بعضٍ، ويتَّفقونَ في إعطاءِ بعضٍ، وإنَّما أجابَ ابنُ عمرَ السائلَ؛ لأنَّ الوصيَّةَ لم تتمَحَّضْ في قصدِ الغَزْوِ مِن قولِه: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ومذهبُهُ في مِثْلِ هذه الحالِ: الأخذُ بالعمومِ؛ لأنَّ المالَ ليس بزكاةٍ، كما ثبَتَ أنَّ أنسَ بنَ سِيرِينَ قال: "قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ عُمرَ: إنَّه أُرسِلَ إلَيَّ بدَراهِمَ أَجْعَلُها في سَبِيلِ الله، وإنَّ مِن الحاجِّ مَنْ بَيْنَ مُنقطَعٍ له وبَيْنَ مَن قد ذهَبَتْ نفَقتُهُ، أفأجعَلُها فيهم؟ قال: نَعَم، اجعَلْها فيهم؛ فإنَّه في سبيلِ الله، قال: قلتُ: إنِّي أخافُ أن يكونَ صاحبي إنَّما أرادَ المُجاهِدينَ؟ قال: اجعَلْها فيهم؛ فإنَّهم في سبيلِ الله، قال: قلتُ: إنِّي أخافُ اللهَ أنْ أُخالِفَ ما أُمِرْتُ به، قال: فغَضِبَ، وقال: ويحَكَ! أوَلَيْسَ بسَبِيلِ اللهِ؟ ! "؛ رواهُ البيهقيُّ (١).

ومالكٌ أعلَمُ الناسِ بالمَرْوِيِّ عن ابنِ عُمرَ، وقد قال: "سُبُلُ اللهِ كثيرةٌ" (٢)، ولم يكُنْ يَجعَلُ الحجَّ منه.

وقد قال أبو بكرِ بن العربيِّ: "لا أعلَمُ خِلافًا في أنَّ المرادَ بسَبيلِ اللهِ هاهُنا الغزوُ" (٣).

وأمَّا المَرْويُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، فقد رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ وغيرُهُ؛ مِن حديثِ حَسَّانَ، عن مجاهِدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما - أنه كِان لا يَرَى بأسًا أنْ يُعطِيَ الرَّجُلُ مِن زَكَاتِهِ في الحجّ، وأنْ يُعتِقَ النَّسَمَةَ مِنها (٤).

وذِكْرُ البخاريِّ له بصيغةِ التمريضِ يَحتمِلُ أنه لأَجْلِ مَتْنِه، أو إسنادِه، أو كِلَيْهِما؛ وهو الأظهَرُ؛ لأنَّ هذا تفرَّدَ به حسَّانُ بن


(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٧٤).
(٢) "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٥٣٣).
(٣) السابق نفسه.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠٤٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>