للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيلِ اللهِ في الحجِّ والجهاد، وليس ذلك في الزكاةِ؛ فقد روى ابنُ عَوْنٍ، عن ابنِ سيرينَ، عنه؛ أنه سُئِلَ عن امرأةٍ أَوْصَتْ بثَلاثينَ دِرْهَمًا في سبيلِ اللهِ: أتُجعَلُ في الحجِّ؟ فقال: أمَا إنَّهُ مِن سُبُلِ اللهِ؛ رواهُ أبو عُبَيْدٍ في "الأموالِ"، وقال: "وليس الناسُ على هذا، ولا أعلَمُ أحدًا أَفتى به؛ أنْ تُصرَفَ الزكاةُ إلى الحجِّ" (١).

ولعلَّ ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ مُرادُهُ: النفقةُ المطلَقةُ التي يُرادُ بها أعمالُ البِرِّ عامَّةً، فقولُ المُوصِي: "في سبيلِ اللهِ" يكثُرُ استعمالُهُ في قصدِ أعمالِ البِرِّ عامَّةً، لا أنه قصَدَ مصارفَ الزكاةِ؛ لأنَّ إطلاقَ كلمةِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} في سياقِ الزكاةِ يَختلِفُ عن إطلاقِها في سياقٍ غيرِه؛ ويؤيِّدُ ذلك ويُؤكِّدُهُ: أنَّ ابنَ عُمرَ جعَل "في سبيلِ اللهِ" غيرَ الحجِّ مِن أعمالِ البِرِّ؛ كما رواهُ أبو نُعَيْمٍ في "الحِلْيةِ"؛ مِن حديثِ ابنِ مهديٍّ؛ قال: حَدَّثَنا مُسْلِمُ بن عَقِيلٍ، عن أبيه؛ قال: "كنَّا عندَ ابنِ عُمَرَ عندَ المسجِدِ الحرامِ فسأَلَتْهُ امرأةٌ، فقالَت: إنَّ أبا هذا أَوصَى ببَعِيرٍ في سبيلِ الله، فقال ابنُ عمرَ: إنَّ سُبُلَ اللهِ كثيرةٌ؛ مِن سبيلِ اللهِ حَجُّ البيت، ومِن سبيلِ اللهِ صِلةُ الرَّحِم، ومِن سبيلِ اللهِ قومٌ مِن المُسلِمينَ يُقاتِلونَ قومًا مِن المشرِكينَ ليس لهم مَركَبٌ" (٢).

وابنُ عمرَ أرادَ المعنى العامَّ في النَّفَقة، لا المعنى الخاصَّ في الزكاة، ولو كان يُرِيدُ الزكاةَ، لكان فيه على هذه الرِّوايةِ غيرُ الحجِّ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ وغيرِها مِن أعمالِ البِرِّ؛ كعِمَارةِ المساجد، وسُقْيا الناسِ ولو مِن غير حاجةٍ، وهذا لا يقولون به.

والزَّكاةُ لا يجوزُ وضعُها في جميعِ الأرحامِ؛ يتَّفِقُ العلماءُ على منعِ


(١) أخرجه أبو عبيد في "الأموال" (١٩٧٧).
(٢) "حليه الأولياء" (٩/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>