والرِّجْل، وفَقْءِ العينِ - وتحرَّى العدلَ، ثم مات المُقتَصُّ منه؛ أنه لا دِيَةَ عليه؛ وبهذا قال مالكٌ والشافعيُّ وجماعةٌ، خلافًا لأبي حَنيفةَ.
ومِثلُ ذلك مَنْ دافَعَ عن نفسِهِ مِن دفعِ صائلٍ مِن إنسانٍ أو حيوانٍ؛ كفَحْلٍ هاجَ عليه فدفَعَهُ، أو رمَاهُ بما لا يُدفَعُ عادةً إلَّا به، فمات؛ فإنَّه لا دِيَةَ عليه؛ لأنَّه بِفِعْلِ ذلك مُحسِنٌ، ولم يَكُنْ قاصدًا للسُّوء، والمُحسِنُ لا سبيلَ عليه.
ومِثْلُ ذلك مَنْ قامَ بإنقاذِ غريقٍ أو حريقٍ أو هديمٍ، وجذَبَهُ بما لا يخرُجُ إلَّا بمِثْلِه، فقطَعَ يدَهُ أو جرَحَهُ أو أتلَفَ لِباسَهُ أو مَرْكَبَتَه، ومِثلُهم الذين يَعمَلونَ في إنقاذِ النفوسِ مِن الحوادثِ والكوارثِ فيُحسِنونَ إلى الناس، فيُصيبُ الناسَ منهم ضرَرٌ في أنفُسِهم وأموالِهم، ولم يَقصِدوا الإساءةَ، وتَحَرَّوُا الإحسانَ؛ فليس عليهم ضمانٌ على الصحيحِ.
وفرقٌ بينَ الخطَأِ الذي لم تأذَنِ الشريعةُ بمُباشرتِهِ ولا الإحسانِ فيه، وبينَ ما أَذِنَتِ الشريعةُ بمباشَرَتِهِ والإحسانِ فيه:
فأمَّا الأولُ: فكمَنْ يَسيرُ في شأنِه، فدَعَسَ بالخطَأِ رجُلًا أو أتلَفَ مالًا، فهذا عليه الضَّمَانُ؛ لأنَّ الشريعةَ لم تأذَنْ له بمُباشَرةِ التعرُّضِ للإنسانِ ولا للحيوانِ في تلك الحالِ.
وأمَّا الثاني: فكما سبَقَ ممَّن أذِنَتْ له الشريعةُ بالتعرُّضِ للإنسانِ وللحيوانِ الصائلِ ولإنقاذِ الغريق، وإنَّما لَحِقَتِ الجِنايةُ مَن أذِنَتِ الشريعةُ بالإحسانِ في رَفْعِ شَرِّهِ والعدلِ فيه، فمَنْ لم يقصِّرْ فيما أُذِنَ له بمباشَرَتِه، فهو مُحسِنٌ، واللهُ يَقولُ: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فبَيَّنَ بقولِه: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ رَفْعَ الحَقِّ في الدُّنيا؛ إذْ لا سَبيلَ عليهم، وبَيَّنَ بقولِه: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ رفْعَ الإثمِ في الآخِرةِ.