للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢].

في الآيةِ: فضلُ العِلْم، ووجوبُ حِفظِهِ وتفريغ طائفةٍ له تقومُ بتحصيلِهِ ومِن ثم تبليغِه، لقولِه: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾.

ويجبُ على إمامِ المسلِمينَ عدمُ إخلاءِ بُلْدانِ الإسلامِ مِن علماءَ يقومونَ بحِفْظِ دِينِ أهلِها وفُتْيَاهُم عندَ حاجتِهم، والإصلاحِ بينَهم عندَ خلافِهم ونِزاعِهم، وأمرِهم بالمعروفِ ونهيهِم عن المُنكَر، ويجبُ عليه بعثُ النُّذُرِ والدُّعَاةِ والعلماءِ إلى البُلْدانِ؛ لإقامةِ حُجَّةِ اللهِ عليهم، وقال بعضُ السلفِ: إن هذه الآيةَ ناسخةٌ لقولِهِ تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ [التوبة: ٤١]؛ كما رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ ومحمدِ بنِ كعبٍ وعطاءٍ الخُراسانيُّ (١).

ويجبُ على الإنسانِ ألَّا يَسكُنَ بلدًا لا يَجِدُ فبها عالمًا يَرفَعُ جَهْلَهُ في الدِّين، والناسُ يَحْرِصُونَ على البُلْدانِ التي تَصِحُّ فيها أبدانُهم ويَجِدُونَ فيها دواءَهم عندَ مَرَضِهم، ولا يَسْكُنونَ الأراضيَ المُقْفِرةَ والفَيَافِيَ البعيدةَ التي لا يَجِدُونَ فبها قِوامًا لبَدَنٍ ولا علاجًا لسَقَمٍ، فكذلك أمرُ الدِّينِ والعِلْم، وقد رَوَى ابنُ أبي حاتمٍ في "مناقبِ الشَّافعيِّ"؛ أنه قال: "لا تَسكُنْ بلدًا ليس فيه عالِمٌ يُفْتيكَ عن دِينِك، ولا طبيبٌ يُنْبِئُكَ عن أمرِ بَدَنِك" (٢).

وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ داخِلَ الأُمَّةِ يُحمَى بالعِلْم، وخارجَها يُحمَى بالجهاد، وأن العلماءَ حُمَاةُ الأمَّةِ مِن داخِلِها، وأنَّ المُجاهِدينَ حُمَاةٌ


(١) "تفسير ابن كثير" (٤/ ١٥٧).
(٢) "آداب الشافعي ومناقبه" (ص ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>