للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣].

في هذه الآيةِ: تحريمُ الاستغفارِ لمَنْ مات على الشِّرْك، ممَّن ظهَرَ أمرُهُ وتَجَلَّتْ حالُه، لقولهِ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾.

ومَن فارَقَ أحدًا وتباعَدَ عهدُهُ به، ولا يَدرِي آخِرَ حالِهِ: هل هي على كفرٍ أو على إيمانٍ؟ فالحُكمُ لأصلِهِ الذي ترَكَهُ عليه؛ فإنْ كان ترَكَهُ على كفرٍ، فالأصلُ بقاؤُهُ عليه؛ فيَحْرُمُ عليه الاستغفارُ له، وإن كان ترَكَه على إسلامٍ وشك في طُرُوءِ الكفرِ عليه، فالأصلُ بقاؤهُ على الإيمانِ؛ فيجوزُ له الاستغفارُ له.

وتحريمُ الاستغفارِ له بعدَ موتِه لا يَمنَعُ مِن الدُّعَاءِ له حالَ حياتِهِ بالهدايةِ والرَّشادِ والاستقامةِ؛ فإنَّ ذلك مستحَبٌّ لِمَنْ كان كافرًا يَغلِبُ عليه الجهلُ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"، عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ؛ قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ يَحْكِي نبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاء، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِه، وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (١).

ومَن غلَبَ عليه العِنادُ والتكبُّرُ والطُّغْيانُ، فيُغلَّبُ الدُّعَاءُ عليه على الدُّعَاءِ له في حياتِه؛ كما كان يَفْعَلُ الأنبياءُ مع أمثالِ هؤلاءِ؛ كنُوحٍ مع قومِه، والنبيِّ مع قريشٍ وغيرِهم مِن مُشْرِكِي العربِ لمَّا دعا عليهم في قُنُوتِه، ودعا على كِسْرَى لمَّا مَزَّقَ كتابَهُ بأنْ يُمزِّقَ اللهُ مُلْكَه (٢).


(١) أخرجه البخاري (٣٤٧٧)، ومسلم (١٧٩٢).
(٢) أخرجه البخاري (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>