قصَدَتْهُ الشريعةُ بالتفضيلِ بِذَاتِه، وإذا قصَدَ الرجُلُ مسجدًا قديمًا لا يُصلِّي فيه أهلُ حيِّه وجيرانُه، فاتَهُ ذلك الفضلُ.
وأمَّا عملُ أنس بنِ مالكٍ، فكان مارًّا ببلدٍ ليس بلدَهُ، وفي حيٍّ ليس حيَّه، وهذا حُكْمٌ خاصٌّ لمَن كان كحالِه، وانتفَتْ عنه تلك المَقاصِدُ، فمَنْ كان حالُه كحالِ أنسٍ، فحُكمُهُ كحُكمِه، وقد رَوَى منصورٌ، عن الحسَنِ:"أنه سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَدَعُ مَسْجِدَ قَوْمِهِ وَيَأْتِي غَيْرَهُ، قالَ: فَقَالَ الحَسَنُ: كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُكَثرَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ بِنَفْسِهِ"(١).
وإذا تقارَبَ في الحيِّ مسجدانِ عن يمينٍ وشمالٍ، فالأفضلُ الصلاةُ في الأقدَمِ منهما؛ لاستواءِ المَقاصِدِ فيهما وتميُّزِ أحدِهما بفضلٍ.
وإذا تقارَبَ في الحيِّ مسجدانِ: قديمٌ قليلٌ الجماعة، وحديثٌ كثيرُ الجماعة، وكلاهُما يتساويانِ في بقيَّةِ المَقاصِد، فمذهبُ الحنابلةِ: أنَّ القديمَ أَوْلى، والأَظْهَرُ: أنَّ المُصلِّيَ يَقصِدُ الأخشَعَ لقَلْبِهِ؛ لأنَّ الصلاةَ في مسجدٍ حديثٍ مع خشوعٍ أَوْلى مِن الصلاةِ في مسجدٍ قديمٍ يُساوِيهِ في القُرْبِ بلا خشوعٍ؛ لأنَّ الخشوعَ قلبُ الصلاةِ ولُبُّها.
ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يترُكَ جماعةَ المُسلِمينَ ويُفارِقَ المساجدَ بحُجَّةِ الخشوعِ في صلاتِه منفرِدًا، ولو كان ذلك صحيحًا، فيجبُ عليه شهودُ الجماعةِ مع اجتهادِ في الخشوع، ولو فاتَهُ الخشوعُ وتعذُّرَ عليه، فهو مأجورٌ بشهودِ الجماعة، غيرُ آثمٍ بفَوَاتِ خشوعٍ لا يَستطيعُه، ولا يكلِّفُ اللهُ نفسًا إلَّا وُسْعَها.