للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمجرَّدِ قيامِهِ وحميَّتِه، حتى ليَسُدَّ ثَغْرًا وَيحْمِيَ حُرْمةً، والأحاديثُ في فضلِ دمِ الشهيدِ أكثَرُ وأظهَرُ، ولكنْ مَن نظَرَ إلى حالِ الأنبياءِ وجَدَ أنَّهم جميعًا علماءُ، وليس كلُّهم شهداءَ، والعالِمُ إذا قامَ بأمرِ الله، كان أثرُهُ عظيمًا في يومِهِ ومَن يخلُفُهُ مِن بعدِه، والشَّهيدُ عظيم أثرُهُ على نفسِهِ وأهلِ زمنِه، ومِدَادُ العالِمِ أبْقَى في الناسِ؛ كمِدَادِ السلفِ الذين نصَرُوا الدِّينَ وأَحْيَوُا السُّنَّةَ؛ كمالكٍ وأحمدَ والشافعيِّ والبخاريِّ ومسلمٍ، ومِدادُهم اليومَ شاهدٌ على عَظَمتِهِ وفضلِهِ وبقائِهِ في الأمَّة، والمجاهِدُ أحوَجُ إلى العِلْمِ مِن العالِمِ إلى الجهاد، والعالِمُ بلا جهادٍ: يَنفَعُ، والمجاهِدُ بلا عِلمٍ: يضُرُّ.

ومِدَادُ العالِمِ منشورٌ يُقرَأُ في الدُّنيا، ودمُ الشهيدِ مَطْوِيٌّ يُنشَرُ في الآخِرة، وأصْدَقُهُمْ في الدُّنيا أكثرُهُمْ توفيقًا في الآخِرةِ.

والعِلْمُ في ذاتِهِ أفضَلُ مِن الجهادِ في ذاتِه، وقد يفضُلُ المجاهِدُ العالِمَ لمَقامِهِ وصِدْقِه، وبمقدارِ ما حَفِظَ وسَدَّ ووُكِلَ إليه مِن ثَغْرٍ ورِباطٍ، والعالِمُ والمجاهِدُ إنْ قصَّرَ كلُّ واحدٍ منهما في أداءِ أمانتِهِ وجعَلَ قَصْدَهُ غبرَ الله، جمَعَهما اللهُ جميعًا في النار، وكان دخولُهما واحدًا، لعِظَمِ مَقَامِهما في الدُّنيا، ويعِظَمِ المَقَامِ يكونُ عِظَمُ الخيانةِ؛ ففي مسلمٍ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ أنَّ النبيِّ قال: "إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدتُّ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِه، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّار، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثم أُمِرَ بِه، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّار، وَرَجُلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>