للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كلِّه، فَأُتى بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أنْفَقتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِه، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ) (١).

* قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ١٢٣].

في هذه الآيةِ: دليلٌ على ترتيب الأعداءِ في القتال، وأنَّ الأحَقَّ بالقتالِ الأَدْنى منهم؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ الأَدْنى أقرَب إلى إلحاقِ الضرَرِ بالمُسلِمينَ أكثَرَ مِن الأبعَد، ولأنَّ الكفرَ الأدْنى أولى بالرفْعِ والإصلاح مِن الكفرِ الأَبعَد، وقد يكون الكفرُ الأقرَبُ في ضَعْفْ فيُوادَعُ، ويُقاتَلُ الكفرُ الأَبعَدُ فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُجْلِ ويتختَلَّصْ مِن جميعِ اليهودِ قبلَ قتالِهِ قريشًا بمَكَّةَ وغيرَهُمْ مِن مُشركي جزبرةِ العرب، فقد صالَحَ يهودَ خَيْبَرَ على خَرَاجِ أرضِهم، وقاتَلَ الأَبْعَدِينَ بعدَ ذلك، فبَقِيَت يهودُ خَيبَرَ في الحجازِ وقد دانَتْ كثيرٌ مِن العربِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتى أَجْلَاهُم عمرُ؛ لأنَّ شَوْكَةَ الأبعَدِ أَقْوى، وخَطَرَهُمْ على الإسلامِ أعظَمُ.

وقد تقدَّمَ الكلامُ على مَراتبِ الأعداءِ في القتال، والتدرُّجِ في ذلك، والنظرِ إلى الأسبابِ الشرعيَّةِ والكونيَّة، والفرقِ بينَ عقيدةِ الوَلَاءِ والبَراءِ وسياسةِ الاستعداء، عندَ قولِه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوأَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: ٧٧].


(١) أخرجه مسلم (١٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>