للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحَلًّا لطلبِ المَنافِعِ كالبَرِّ في قولِهِ: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: ١٤]، وقال: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الإسراء: ٦٦]، وجعَلَ الابتغاءَ مِن فضلِهِ في البحرِ في هذه الآيةِ: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ كالابتغاءِ مِن فضلِهِ في البَرِّ لمَّا دكَرَ اللهُ الانصرافَ مِن صلاةِ الجُمُعةِ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠]، وحَثَّ على ركوبِ البحرِ لرؤيةِ آياتِه؛ كما قال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾ [لقمان: ٣١].

وذكَرَ اللهُ مَخاطِرَ البحرِ في مَواضِعَ، ولم يَنْهَ عن ركوبِه في سياقِ واحدةٍ منها؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأنعام: ٦٣]، وقال: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٦٧].

والنهيُ الواردُ عن ركوبِ البحرِ لا يَثبُتُ عن النبيِّ منه شيءٌ، فمِن ذلك ما رواهُ أبو داودَ؛ مِن حديثِ عبد اللهِ بنِ عمرٍو، مرفوعًا: (لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إلَّا حَاجٌّ، أوْ مُعْتَمِرٌ، أَو غَازٍ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا) (١).

وبنحوِه أخرَجَهُ الحارثُ عن أبي بَكْرَةَ (٢)، والبزَّار عن ابنِ عمرَ (٣)؛ ولا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ.

وركوبُ البحرِ كركوبِ البَرِّ في حالِ استقامةِ الحالِ وعدمِ المَخاطِر، وعندَ المَخاطِرِ والمَخاوِفِ فيُكرَهُ ركوبُهُ، وقد يحرُمُ إنْ غلَبَ


(١) أخرجه أبو داود (٢٤٨٩).
(٢) أخرجه الحارث في "مسنده" (٣٥٩).
(٣) أخرجه البزار في "مسنده" (البحر الزخار) (٥٨٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>