للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الظنَّ الهلاكُ، وقد حكى ابنُ عبد البَرَّ الاتَّفاقَ على أنه يحرُمُ ركوبُهُ عندَ ارتجاجِه (١)، ويُروَى في "المُسنَدِ"؛ مِن حديثِ أبي عِمْرانَ الجَوْنِيَّ؛ قال: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَت لَهُ إِجَّارٌ فَوَتَعَ فَمَاتَ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ) (٢).

أخرَجَهُ أحمدُ؛ مِن حديثِ محمدِ بنِ ثابتٍ، عن أبي عِمْرانَ، به؛ وابنُ ثابتٍ ضعيفٌ.

ولأنَّ البحرَ أخطَرُ مِن البَرَّ، وحِيلةَ الإنسانِ فيه ضيِّقةٌ، بخلافِ حيلتِهِ في البَرَّ؛ كان الغزوُ فيه أعظَمَ؛ لأنَّ الشَّدَّةَ والمشقَّةَ فيه أكبَرُ، فغزوُ البحرِ أفضَلُ مِن غزوِ البَرّ، وقد جاءتْ أحاديثُ كثيرةٌ في فضلِ غزوِ البحرِ وشهيدِهِ مِن حديثِ أبي أُمَامَةَ وأُمِّ حَرَامٍ وعائشةَ وابنِ عبَّاسٍ وعِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ وأبي الدَّرْداء، وهي متكلَّمٌ فيها.

وقد جاء تفضيلُ غزوةٍ في البحرِ على عَشْرِ غزَواتٍ في البَرِّ؛ رواهُ الطبرانيُّ، وغيرُهُ؛ مِن حديثِ عبد اللهِ بنِ عمرٍو (٣)، وابنُ ماجَهُ؛ مِن حديثِ أبي الدَّرداءِ (٤)؛ ولا يصحُّ.

وقد جاء فضلُ الميِّتِ بالغرَق، وأنَّه شهيدٌ، ولو لم يكنْ في غزوِ البحرِ وشهيدِهِ إلَّا ما يجدُهُ مِن شِدَّةٍ وخوفٍ قبلَ نَزْعِ رُوحِه، لكانِ كافيًا، قميَّتُ الغرَقِ والحَرَقِ والهَدَمِ يُدرِكُهُ مِن بُطْءِ الموتِ ومُعالجتِهِ والهَلَعِ منه: ما لا يجدُهُ غيرُهُ، فهو يَزيدُ على ألمِ الاخضارِ ألمًا فوقَهُ.


(١) "الاستذكار" (١٤/ ٢٨٧).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٧٩).
(٣) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٣١٤٤)، وابن أبي عاصم في "الجهاد" (٢٨٠)، والحاكم في "المستدرك" (٢/ ١٤٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٣٣٤).
(٤) أخرجه ابن ماجه (٢٧٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>