للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قوله تعالى: ﴿تَبَوَّآ﴾ المرادُ بالتبوُّءِ: هو اتَّخاذُ موضعٍ يُسكَنُ فيه، والتبوُّءُ: تفعُّلٌ مِن البَوْءِ؛ يعني: الرجوعَ، ومعنى ذلك أنَّ صاحبَ الدارِ يَرجِعُ إلى موضِعِهِ كلَّما خرَجَ منه، وهو سَكَنُهُ، فقولُه، ﴿تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا﴾؛ يعني: اجعَلَا قومَكما مُتَبَوِّئِينَ ببوتًا لهم.

وعلى السُّلْطانِ اختيارُ المُدُن، ووضعُ خِطَطِها ومنافعِهِمُ العامَّةِ منها، ووضعُ نظامٍ يَضبِطُهُمْ، كما وضَعَ النبيُّ أحكامًا لحقَّ الجار، وغَرْزِ الخشبةِ في الجدار، وحَرِيمِ البئر، وأحكامًا للطُّرُقاتِ وحقوقِها.

وقولُه تعالى: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ القِبْلةُ هي الجِهةُ التي تُستقبَلُ، وقد اختُلِفَ في المرادِ بذلك لي هذه الآيةِ على أقوالٍ للسلفِ:

منها: استقبالُ الكعبةِ بالبيوتِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهِدٍ وقتادةَ (١)؛ وفي هذا أن الكعبةَ قِبْلةٌ لمُوسى ومَن معه.

ومنها: أنَّ المرادَ هو أداءُ الصلاةِ في البيوت، فلا تُترَكُ بلا صلاةٍ فتكونَ كالمَقابِرِ؛ وهذا مرويٌّ عن الضحَّاكِ والنخَعيَّ وابنِ زيدٍ (٢).

ومنها: أنَّ المرادَ هو جعلُ البيوثِ مُتقابِلةً؛ فيَستقبِلُ الناسُ بعضُهم بعضًا في أبوابِهم؛ وهذا القولُ روايةٌ عن ابنِ عبَّاسٍ (٣)، وقولُ سعيدِ بنِ جُبيرٍ (٤).

* * *


(١) "تفسير الطبري" (١٢/ ٢٥٧ - ٢٥٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٩٧٧).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٤/ ٢٨٩).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٩٧٧).
(٤) "تفسير الطبري" (١٢/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>