للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغبنُ يَختلِفُ بحسَبِ مِقْدارِ الضَّرَرِ فيه، ويشتدُّ النهيُ عنه مع شدةِ الضررِ الواردِ فيه.

ولا خلافَ عندَ الفقهاءِ في كراهةِ الغبنِ الفاحشِ الذي يُضِرُّ بمُشترِي السلعةِ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ، وهو مِن جنسِ أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ.

وقد أجاز مالكٌ بيعَ دُرَّةٍ ذاتِ خطرٍ عظيمٍ بدِرْهَمٍ، ولم يَعلَمِ البائعُ أنَّها دُرَّةٌ؛ أنه يَلزَمُهُ البيعُ، ولم يَلتفِتْ إلى قولِه (١).

والغبنُ في التجارةِ الذي يكونُ عن تَرَاضٍ وعِلْمٍ: ممَّا لا بأسَ به؛ كمَنْ يبيعُ شيئًا قليلَ القيمةِ بثمنٍ عظيمٍ مع عِلْمِ المتبايعَيْنِ بما فيه؛ وذلك أنه يَصِحُّ منه الهديَّةُ بلا قيمةٍ، فشراؤُهُ بثمنٍ زهيدٍ أولى، ولا يتراجعانِ إلَّا برضاهُما، وقد نقَل بعضُهم الاتِّفاقَ على ذلك.

وفي إفالةِ النادمِ على البيعِ أو الشراءِ فضلٌ، ولكنَّه ليس بلازمٍ؛ ففي "المسنَدِ"، و"السنن"؛ قال : (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَهُ اللهُ عَثْرَتَهُ) (٢).

والغَبْنُ في نفسِه على نوعَيْنِ:

الأوَّلُ: الغَبْنُ اليسيرُ؛ وهو ما اعتادَ الناسُ التبايُنَ في السِّعْرِ فيه؛ لأنَّه يَربحُ بعضهم مِن بعضٍ.

الثاني: الغَبْنُ الفاحِشُ.

وجمهورُ الفقهاءِ يُفرِّقونَ بينَ الغَبْنَيْنِ؛ فيُجيزونَ الأولَ، ولا يُجيزونَ الثاني؛ على خلافٍ عندَهم في حَدِّ الغَبْنِ فيهما جميعًا، فبينَهم خلافٌ:

فمِنهم: مَن جعَل الفارقَ بينَ الغبنِ اليسيرِ والفاحِشِ هو الثُّلُثَ.

ومنهم: مَن قال: العُشْرُ.


(١) "تفسير القرطبي" (١١/ ٢٩٨).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٢٥٢)، وأبو داود (٣٤٦٠)، وابن ماجه (٢١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>