للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم: مَن قال: نِصْفُ العُشْرِ.

والأظهَرُ: أنَّ مَرَدَّ ذلك إلى عُرْفِ الناسِ في أسواقِهم وما يَعتادونَ عليه مِن مُرابَحةٍ، فالسِّلَعُ تَختلِفُ قِيَمُها وقصدُ الناسِ لها ومَؤونتُها وتسامُحُ الناسُ فيها، ويختلِفُ الناسُ زمنَ اليَسَارِ وزمنَ الفقرِ.

وبعصُ الأسواقِ جرَتِ العادةُ فيها بالترابُحِ في النِّصْفِ والضِّعْف، ومِن السلعِ ما يَظهَرُ الغبنُ فيها ولو بنصفِ العُشْرِ؛ لأنَّها مُسعَّرةٌ، ومِن السلعِ ما يشُقُّ إدراكُ الغَبْنِ فيها؛ وذلك لكونِها نادرةً يَقِلُّ مثيلُها في أيدِي الناسِ؛ كقِطَعِ الآثار، والكُتُبِ المخطوطة، ونُقُوشِ الأُممِ السابقة، والقاضي يَرجِعُ عندَ التنازُعِ في الغَبْنِ في البيعِ إلى عُرْفِ أهلِ السوقِ في ذلك.

* * *

قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٢١].

سمَّى اللهُ هذا البلاءَ ليوسُفَ تمكينًا بعدَما بِيعَ واشتراهُ العزيزُ، مع أنه تَبِعَهُ مُغالَبَةٌ على حرامٍ وتُهَمَةٌ وسَجْنٌ وطُولُ بلاءٍ، وفي هذا أنَّ أوَّلَ التمكينِ ابتلاءٌ.

وقولُه: ﴿الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ﴾ لم يذكُرْ أنَّ المُشترِيَ عزيزُ مصرَ، ولا أنَّ المرأةَ زَوْجَتُهُ؛ وذلك لأنَّه في سياقِ البيعِ والشراء، وهذه المواضعُ تَستوِي فيها الأطرافُ؛ فعندَ العقودِ لا فرقَ بينَ حاكمٍ ومحكومٍ، فيجبُ أداءُ الحقوقِ كما لو استوَتِ المقاماتُ؛ وهذا كالخصوماتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>