للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظَرَ في سِيَرِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ والأئمَّةِ الصالِحِين، وجَدَ أنَّ مرحلةَ البلاءِ والشِّدَّةِ أطولُ مِن مرحلةِ التمكينِ، ومِن ذلك حالُ يوسُفَ؛ فقد ذكَرَ كمالَ نِعَمِ اللَّه عليه الدُّنيويَّةِ والدِّينيَّةِ قبلَ سؤالِ اللَّهِ اللَّحَاقَ بالصالحينَ، فقال: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.

وقد صحَّ عن قتادةَ قولُه: "لمَّا جمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وأَقَرَّ عينَهُ وهو يومئذٍ مَغْمُوسٌ في بيتِ نعيمٍ من الدُّنيا وَمُلْكِهَا وَغَضَارَتِهَا، اشتَاقَ إلى الصالِحِينَ قبلَه" (١).

وقد حمَلَ بعضُ السلفِ هذه الآيةَ في قولِ يوسُفَ: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ على تمنِّي الموتِ، وقد رَوى السُّدِّيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال: "هذا أوَّلُ نبيٍّ سأَلَ اللَّهَ الموتَ" (٢).

وبنحوِه قال قتادةُ (٣).

ومن هذا دعاءُ عمرَ؛ كما رواهُ مالكٌ في "الموطَّأِ"، عن سعيدِ بنِ المسيَّب؛ أنَّ عمرَ لمَّا أفاضَ من مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطَحَاءَ، ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ واسْتَلْقَى، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، كَبِرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ" (٤).

وقد جاء النهيُ في السُّنَّة عن تمنِّي الموت مقيَّدًا بنزولِ الضُّرِّ وطلبًا للفِرَارِ من البأسِ، والواجبُ في ذلك: الثباتُ والصبرُ واحتسابُ الأجرِ،


(١) "تفسير الطبري" (١٣/ ٣٦٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢٢٠٤).
(٢) "تفسير الطبري" (١٣/ ٣٦٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢٢٠٤).
(٣) "تفسير الطبري" (١٣/ ٣٦٦).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٨٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>