للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسؤالُ اللَّهِ الموتَ عندَ نزولِ كلِّ ضُرٍّ: إساءةُ ظنٍّ باللَّهِ، ففي "الصحيحَيْنِ"؛ قال : (لَا يَتَمَنَّيْنَّ أَحَدَكُمْ المَوْتُ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتُوفِّنِي إِذَا كَانَتْ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي) (١).

وأمَّا ما جاءَ عن مريمَ مِن قولِها: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣]، فذلك أنَّها تَمَنَّتِ الموتَ قبلَ نزولِ ما بها؛ لأنَّ البلاءَ سيَتْبَعُهُ قذفٌ لا تستطيعُ دفْعَهُ بحُجَّةٍ عقليَّةٍ، أمَا وقد نزَلَ فلم تَسْأَلِ اللَّهَ الموتَ فرارًا؛ وإنَّما ثبتَتْ وأخَذَتْ بالأسبابِ.

وإذا نزَلَ بعبدٍ فتنةٌ في دِيِنِهِ، ولم يَقدِرْ على الثباتِ فيها، ولا القيامِ بواجبِ اللَّهِ عليه عِنْدَها، وَيَخشَى أن تُدرِكَهُ، فلا حرَجَ عيه مِن سؤالِ اللَّهِ الوفاةَ على الإسلامِ، ومِن ذلك سؤالُ السَّحَرَةِ مِن اللَّهِ الموتَ على الإسلامِ لمَّا خافوا مِن فِرْعَوْن وتهديدِهِ، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦].

ومِن ذلك: ما جاء في حديثِ ابنِ عبَّاسِ ومعاذٍ: "وَإِذَا أرَدتَّ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ"؛ رواهُ التِّرْمِذيُّ (٢).

وطولُ العمرِ ليس محمودًا إِلَّا إنِ اقترَنَ بحُسْنِ العملِ، وطولُ العمرِ مع حُسْنِ العملِ خيرٌ مِن قصيرِهِ مع عملٍ حسَنٍ مُسَاوٍ له، ويومٌ في الدُّنيا يُخْتَمُ للإنسانِ به على طاعةٍ خيرٌ له مِن التعميرِ في الدُّنيا على كفرٍ وضلالةٍ، وقد رَوَى أحمدُ في "المسنَدِ"؛ مِن حديثِ أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ؛ قال: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ -حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ- أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ ، وَاسْتَشْهَدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً. قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ:


(١) أخرجه البخاري (٦٣٥١)، ومسلم (٢٦٨٠).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٢٣٣) و (٣٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>