للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما ذكَرَ النبيُّ إحباطَ الأجرِ؛ للترهيبِ منه وبيانِ خطورتِه، وإذا اقترَنَ بعدمِ دخولِ الملائكة ولزومِ ذلك لدخولِ الشياطينِ، كان القولُ قويًّا في التحريمِ.

وظاهرُ الآيةِ: أنَّ الكلبَ في قولِهِ: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ كلبُ حراسةٍ لهم، وقد اختلَفَ العلماءُ في اقتناءِ كلبِ الحراسةِ الذي يَحمي به الرجُلُ نفسَهُ من لِصٍّ أو مُعْتدٍ أو مِن حيوانٍ مفترِسٍ.

وأمَّا الكلابُ التي تُقتني للمرافَقةِ والمصاحَبةِ والأُنْسِ والمداعَبةِ ويَحْمِيها صاحبُها أكثَرَ من أنْ تَحْمِيَهُ هي، فهي محرَّمةٌ، ولا ينبغي أن يكونَ في ذلك خلافٌ؛ لظاهِرِ الدليلِ.

وأمَّا كلابُ الحراسةِ التي تَحمي هي صاحِبَها أكثَرَ ممَّا يَحمِيها هو، فقد اختلَفَ العلماءُ في ذلك على قولَيْنِ:

القولُ الأولُ: قال بعضُ العلماءِ: بتحريمِ اقتناءِ كلِّ كلبٍ غيرِ ما استثناهُ الدليلُ، على خلافٍ عندَهم في عددِ ما استثناهُ، بسببِ اختلافِ الرِّوايات في ذلك؛ فعن ابنِ عمرَ أنَّه لم يُرخِّصْ إلَّا بكلبِ الصيدِ والماشيةِ، ولم يُرخِّصْ بكلبِ الزرعِ.

وأكثَرُ ما استثنَاهُ الفقهاءُ من الكلاب المحرَّمة ثلاثةُ أنواعٍ، وهي: الصيدُ والماشيةُ والزرعُ؛ لحديثِ أبي هريرةَ (١)، وعبدِ اللَّه بنِ مُغَفَّلٍ (٢)، ولبعضِ الرِّوايات في حديثِ ابنِ عمرَ (٣).

القولُ الثاني: قالوا بالجوازِ، وأنَّ كلَّ ما قامت فيه حاجةٌ مساوِيةٌ أو أشَدُّ من الحاجةِ لكلبِ الصيدِ والزرعِ والماشيةِ، فإنَّه يأخُذُ حُكْمَه؛ وذلك أنَّ حاجةَ الإنسانِ في حراسةِ أهلِهِ ونفسِهِ أَوْلى مِن حراسةِ ماشيتِهِ


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم (١٥٧٣).
(٣) أخرجه مسلم (١٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>