للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزَرْعِه، وإنَّما ذكَرَ النبيُّ الماشيةَ والزرعَ والصيدَ؛ لأنَّها الغالِبةُ في الاستعمالِ، وقد يُوجَدُ في الناس مِثْلُها بحسَبِ تغيُّرِ الأحوالِ واختلافِ البُلْدانِ.

ومِن القرائنِ على ذلك: أنَّه ليس كلُّ الأحاديثِ تذكُرُ الأنواعَ الثلاثةَ المأذونَ بها، وهي الصيدُ والزرعُ والماشيةُ؛ ففي بعضِها ذكَرَ اثنَيْن؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ : (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) (١)، فذكَرَ كلبَ الصيدِ والماشيةِ، ولم يذكُرِ الزرعَ؛ كما في حديثِ أبي هريرةَ السابقِ، وفي روايةٍ لمسلمٍ؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ ذكَرَ الثلاثةَ (٢)، وفي روايةٍ في حديثِ أبي هريرةَ في "الصحيحَيْنِ"؛ قال: (إلَّا كَلْبَ حَرْثٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ) (٣)، ولم يذكُرْ كلبَ الصيدِ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ المقصودَ التمثيلُ بالحاجاتِ لا الحصرُ.

ويدخُلُ في الحاجاتِ من اقتناءِ الكلبِ: الكلابُ المدرَّبةُ على معرِفةِ المُسْكِراتِ والمخدِّرات واكتشافِ المتفجِّراتِ؛ فإنَّ نوعًا مِن الكلابِ يُدرَّبُ على إطعامِهِ أو تشميمِهِ نوعًا من الموادِّ المسكِرةِ والمخدِّرةِ أو فيها متفجِّراتٌ؛ حتى يعتادَهُ، ثمَّ يُدمِنُ عليه، فإذا وجَدَ رائحتَهُ، نبَحَ واتَّجَهَ إليه، وهذا أعظَمُ حاجةً مِن كلبِ الزرعِ والماشيةِ والصيدِ، وفيه تحقيقُ مصالحَ عامَّةٍ عظيمةٍ، بخلافِ الصيدِ والزرعِ والماشيةِ، فهي مَصالِحُ خاصَّةٌ لا عامَّةٌ، ولا خلافَ أنَّ المصالحَ العامَّةَ مقدَّمةٌ على المصالحِ الخاصَّةِ.


(١) أخرجه البخاري (٥٤٨٢)، ومسلم (١٥٧٤).
(٢) أخرجه مسلم (١٥٧٤) (٥٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٢٤)، ومسلم (١٥٧٥) (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>