في هذه الآيةِ: أنَّ مريمَ تمنَّتْ أن تكونَ قد ماتتْ قبلَ نزولِ ما نزَلَ بها، ولم تَتَمَنَّ الموتَ بعدَ نزولِ ما حَلَّ بها، بل سلَّمَتْ لأمرِ اللَّهِ وخَضَعَتْ له، وقد تقدَّم الكلامُ على تمنِّي الموتِ وأحوالِهِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١].
ذكَّرَ قومُ مريمَ مريمَ بسيرةِ أهلِها وفضلِهم وعَفَافِهم وطُهْرِهم، وأنَّ سِيرَتَها لا بنبغي أن تخرُجَ عنها، وقد استَنْكَروا أن يكونَ بيتُ العفافِ يخرُجُ منه أمرٌ استنكَروه؛ فبيَّنَ اللَّهُ لهم بإنطاقِ عيسى معجِزةً له ولها.
وفي هذه الآيةِ: جوازُ استعمالِ وازعِ الطَّبْعِ لاستنكارِ المُنكَرِ ولو كان وازعُ الطبعِ وحدَهُ، عندَ رؤيةِ مَن يَرَى عليه عملَ سَوْءٍ أو قولَ مُنكَرٍ، فيُنكِرُ عليه ذلك تذكيرًا له بأهلِهِ وخُلُقِهِ وقومِه وقبيلتِه.
والنهيُ عن المُنكَرِ يُخفَّفُ فيه، بخلافِ الأمرِ بالعبادةِ؛ فلا يجوزُ الأمرُ بالتعبُّدِ للَّهِ بوازعِ الطبعِ مجرَّدًا، ما لم يكنْ تابِعًا لوازعِ الشَّرْعِ؛ حتى لا يمتثِلَ الناسُ العباداتِ تقليدًا ورِياءً وسُمْعةً، فيقَعُوا في الشِّرْكِ؛ حيثُ لم يُخلِصوا في عَمَلِهم للَّهِ.