للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعاريضِ والكذبِ عمومٌ وخصوصٌ؛ فالكذبُ أعَمُّ مِن المعاريضِ، والمعاريضُ أخَصُّ؛ وذلك أنَّ المعاريضَ هي ما يُخالِفُ الحقيقةَ ظاهرًا، ويُوافِقُها باطنًا، وأمَّا الكذبُ فهو ما يُخالفُ الحقيقةَ ظاهرًا وباطنًا؛ فاتَّفَقَتِ المعاريضُ مع الكذبِ في مخالفةِ الظاهرِ.

وقد جاء مدحُ إبراهيمَ في السُّنَّةِ: أنَّه لم يَستعمِل إلَّا المعاريضَ وفي مواضعَ ثلاثةٍ؛ كما أخرَجَ البخاريُّ؛ عن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللَّهِ قال: (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ ﷿: قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩]، وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾)، قال: (بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ، إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلَا تُكَذِّبِينِي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ، فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ، فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ، فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ؛ إِنَّمَا أَتَيْنُمُونِي بِشَيْطَانٍ! فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ، فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا؟ ! قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الكَافِرِ -أَوِ الفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ)؛ رواهُ البخاريُّ (١).

وجاء في "صحيحِ مسلمٍ"، في حديثِ الشفاعةِ؛ أنَّ إحدى كَذَبَاتِه هي قولُه للشمسِ والقمرِ والكوكبِ: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦, ٧٧, ٧٨]، ولم يذكْرُ قصةَ الجبَّارِ (٢).

وأخرَجَ التِّرمذيُّ، عن أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ : (لَمْ


(١) أخرجه البخاري (٣٣٥٨).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>