للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثانيها: قولُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ في سورةِ الصافَّاتِ، وذلك في قولِه تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ [الصافات: ٨٣ - ٩٨].

وإنَّما قال: "إنِّي سَقِيمٌ"؛ لكي يتخلَّفَ عنهم في ذَهَابِهم، ويبقى عندَ أصنامِهم ليُحطِّمَها؛ وهذا يدخُلُ في المُخادَعةِ للعدوِّ، وهذا مِن جنسِ قولِهِ : (الحَرْبُ خَدْعَةٌ) (١)، وكان النبيُّ إذا أراد غزوةً، وَرَّى بغيرِها (٢).

وثالثُها: قولُهُ لِسَارَةَ: (أُخْتِي)؛ فإنَّه أراد الدفعَ عن زوجتِهِ، ودفعُ الرَّجُلِ عن عِرْضِهِ يجبُ ولو بدفعِ الصائلِ علمِه، فإنْ جازَ الدمُ، فغيرُهُ كالكذبِ مِن بابِ أَولى؛ لأنَّه دُونَهُ؛ ففد قال النبيُّ : (مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)؛ رواهُ أحمدُ وأهلُ السُّنَنِ؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ زيدٍ (٣).

ولو خُيِّرَ إنسانٌ بينَ وقوعِ صائلٍ على عِرْضِهِ وانتهاكِ فرجِ امرأتِهِ وبينَ دفعِهِ بالكذبِ، لكان ذلك جائزًا؛ بل واجِبًا، وهذا يَقضِي به العقلُ والنقلُ، وإنَّما تورَّعَ إبراهيمُ؛ لِعُلوِّ منزلتِهِ ومَقَامِه، ومقاماتُ الأنبياءِ والأولياءِ ليستْ كمقامِ غيرِهم؛ فإنَّهم يُنزِلونَ في أنفُسِهم لا لغيرِهم بعضَ


(١) أخرجه البخاري (٣٠٣٠)، ومسلم (١٧٣٩).
(٢) أخرجه البخاري (٢٩٤٧)، ومسلم (٢٧٦٩) (٥٤).
(٣) أخرجه أحمد (١/ ١٩٠)، وأبو داود (٤٧٧٢)، والترمذي (١٤٢١)، والنسائي (٤٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>