للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثُ: أنْ يكونَ عارِفًا بالنازِلةِ التي يَقضي فيها؛ فإنَّ الإحاطةَ بالأدلَّةِ لا تَكْفي للحُكْمِ على نوازِلَ لا يُحيطُ بها العالمُ، فقد يَستعمِلُ الدليلَ في غيرِ موضعِهِ وما لا يُناسِبُه، فيُخطئُ بتقصيرٍ لا باجتهادٍ.

والعالِمُ المجتهِدُ المخطِئُ مأجورٌ أجرًا واحدًا، والمصيبُ المجتهِدُ له أجرانِ؛ كما في الحديثِ؛ فكلاهُما استحَقَّ أجرًا لاجتهادِه، والمصيبُ استحَقَّ الثانيَ لصوابِهِ وتسديدِه، وإنَّما كان الفرقُ بينَهما في الأجرِ مع أنَّ جميعَهما استفرَغَ وُسْعَه؛ وذلك حتى لا يتواكَلَ العالِمُ في الفُتيا ويتعجَّلَ، فكان للأجرِ الثاني نصيبٌ بالطلبِ والقصدِ، فلو تساوَيَا، لم يكنْ للمصيبِ ولا للصوابِ خصيصةٌ، وفي النفوسِ تساهُلٌ خَفِيٌّ وجَلِيٌّ يُدرِكُها ولو كانتْ صالحةً إنْ عَلِمَتْ تَساوِيَ الأجرِ في الحالَيْنِ، ولأنَّه للصوابِ شرفٌ وعلوُّ منزلةٍ، فلا بدَّ أن يَختَصَّ صاحبُهُ بمنزِلةٍ مِثْلِ منزِلتِه.

* * *

* قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠].

في هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ اتِّخادِ السلاحِ وحَملِهِ يتَّقي به الإنسانُ العدوَّ الصائلَ، وفجأةَ البأسِ عليه مِن حيوانٍ مفترِسٍ وإنسانٍ باغٍ.

ويتضمَّنُ هذا أنَّ دفعَ الإنسانِ عن نفسِهِ صَوْلةَ الصائلِ عليه سُنَّةٌ فِطْريَّةٌ، قبل كونِهِ شِرْعةً سماويَّةً، وأنَّ اتِّخاذَ السلاحِ ولو في غيرِ الحربِ محمودٌ لدَفْعِ ما يَطرأُ مِن بأسٍ، خاصَّةً زمنَ الفتنِ والتساهُلِ بالأعراضِ وسفكِ الدماءِ، وقد كان النبيُّ وأصحابُهُ يتَّخِذونَ السلاحَ في المدينةِ مِن غيرِ خوفِ تبيِيتِ عدوٍّ؛ حتى إنَّهم لاتِّخاذِهم السلاحَ نَهَى النبيُّ الناسَ عن رفعِهِ عندَ دخولِهمُ المسجدَ به؛ فقال: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>