للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكوعِ، وفيه: (كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا) (١)، وهو كما قال مالكٌ: "لا حَدَّ فيما يأكُلُ ويتصدَّقُ ويُطعِمُ الفقراءَ والأغنياءَ؛ إنْ شاءَ نِيئًا، وإن شاءَ مطبوخًا" (٢).

وظاهرُ عملِ النبيِّ : التوسعةُ في الأُضْحِيَّةِ مِن المأكولِ والمتصدَّقِ به والمُهْدَى منه، وقد روى مسلمٌ في "صحيحِه"، عن ثوبانَ؛ قال: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: (يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ)، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ (٣).

وأمَّا ما جاء في حديثِ عائشةَ، عندَ أبي داودَ؛ مِن طريقِ مالكٍ -وهو في "موطَّئِه" (٤) - عن عبدِ اللَّهِ بنِ أبي بكرٍ، عن عَمْرةَ، عن عائشةَ، وفيه أنَّ النبيَّ قال: (ادَّخِرُوا الثُّلُثَ، وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ) (٥)، فالأظهَرُ: أنَّه تصحيفٌ، واللفظُ: (ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ)؛ يعني: لثلاثةِ أيامٍ، وليس (الثُّلُثَ)؛ لمناسبةِ السياقِ، والحديثُ في مسلمٍ؛ مِن طريقِ مالكٍ؛ قال : (ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ) (٦).

وفقهُ مالكٍ يُخالِفُ ذِكْرَ الثُّلُثِ، وهذا مِن قرائنِ تحريفِها، وإنْ كانتْ في نُسَخٍ عتيقةٍ؛ فهذا يقعُ مِثلُهُ في كتُب السُّنَّةِ؛ وقد تكلَّم عليه الأئمةُ النُّقَّاد.

ومِن الفقهاءِ: مَن أوجَبَ التصدُّقَ مِن لحمِ الأُضْحِيَّةِ إنْ كانتْ تطوُّعًا، ولو قليلًا بما يُطلَقُ علبه اسمُ الصدَقةِ؛ وهو قولٌ في مذهبِ


(١) أخرجه البخاري (٥٥٦٩)، ومسلم (١٩٧٤).
(٢) ينظر: "الكافي في فقه أهل المدينة" لابن عبد البر (١/ ٤٢٤)، و"اختلاف الأئمة العلماء" لابن هبيرة (١/ ٣٣٩).
(٣) أخرجه مسلم (١٩٧٥).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/ ٤٨٤).
(٥) أخرجه أبو داود (٢٨١٢).
(٦) أخرجه مسلم (١٩٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>