للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسلَمُ أحدٌ مِن سهوٍ يَتْبَعُهُ استرسالٌ عن عمدٍ بمقدارِ إيمانِ الإنسانِ، منهم مَن يقطعُهُ مِن أولِه، ومنهم مَن يأخُذُ منه لحظةً ومنهم لحظاتٍ، والقولُ بتأثِيمِ أولئك أمرٌ دقيقٌ، لو كان، لم تترُكِ الشريعةُ التشديدَ فيه.

ويَظهرُ أنَّ نصوصَ الكتابِ والسُّنَّةِ جاءتْ ببيانِ فضلِ الخشوعِ، ولم تأتِ بألفاظِ الوعيدِ لتاركِه؛ فدَلَّ على قصدِ الفضلِ، ووجودِ الحرَجِ بالإيجابِ، ويَعْضُدُ ذلك قولُ عمرَ بنِ الخطَّابِ: "إنِّي لأُجهِّزُ جيشي وأنا في الصلاةِ"؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ (١)؛ وهو صحيحٌ عنه، وعلَّقَهُ البخاريُّ فى كتابِ الصلاةِ مِن "صحيحِه"، في بابِ تفكُّرِ الرجُلِ الشيءَ في الصلاةِ (٢).

وهذا مِن عُمَرَ لا يكونُ إلَّا مع شيءٍ ولو يسيرًا مِن الاسترسالِ المقصودِ، ولو كان يُغالِبُ أصلَه، ومنه ما لا يَقْوى عليه ولا يشعُرُ به، وقد رُوِيَ: "أنَّ عمرَ صلَّى المغرِبَ فلَم يَقرأْ، فلمَّا انصرَفَ، قالوا: يا أميرَ المؤمِنينَ، إنَّك لم تَقرأْ؟ ! قال: إِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِيَ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ بِعِيرٍ وَجَّهْتُهَا مِنَ المَدِيَنَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُجَهَّزُهَا حَتَّى دَخَلَتِ الشَّامَ! ثمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ" (٣).

ورَوَى مالكٌ بلاغًا عن عمرَ؛ قال: "إنِّي لأضطجِعُ على فِرَاشِي، فما يأتيني النَّوْمُ، وأقومُ إلى الصلاةِ فما تتوجَّهُ إليَّ القراءةُ؛ مِن اهتمامِي بأمرِ الناسِ" (٤).

ورُوِيَ عنه: "إِنِّي لَأَحْسُبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ" (٥).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧٩٥١).
(٢) أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (١٢٢١).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٤٠١٢).
(٤) "شرح السُّنَّة" للبغوي (٣/ ٢٥٧).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٧٩٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>