وحكايةُ عمرَ ذلك عن نفسِهِ ليستْ في سياقِ ارتكابِ المحرَّمِ والتحدُّثِ به؛ وإنَّما لبيانِ ما يُغلَبُ عليه وهو معذورٌ به ولو كان منه استرسالٌ فيه.
بل إنَّ بعضَ الأئمَّةِ يَرى أنَّ الخاطِرةَ التي تَغلِبُ صاحِبَها ولو كانتْ تطولُ لو فكَّر بها، وتركُها يُشوَّشُ عليه: لا يجبُ عليه الخروجُ منها، كما نصَّ على ذلك الشاطبيُّ، فقال:"لا يجبُ على مَن ابتُلِيَ بالخاطرِ الخروجُ منه، إذا كان خروجُهُ يُشوِّشُ خاطرَهُ أكثَرَ". ويَبقى بعدَ هذا النَّظرُ في وجوبِ إعادةِ الصلاةِ أو استحبابِها أو سقوطِها.
ومِن قرائنِ الفضلِ والاستحبابِ وعدمِ الوجوبِ: ما جاء في حديثِ عمارِ بنِ ياسرٍ السابقِ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشُرُهَا، تُسُعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا. . . "(١)، فذكَرَ نُقْصانَ الأجرِ، ولم يذكُرْ لَحَاقَ الوِزْرِ، ولو كان الفعلُ محرَّمًا، لَذَكَرَ الإثمَ، ولكنَّه بيَّنَ نُقْصانَ الأجرِ؛ لعدمِ التمامِ فيها، لا لارتكابِ محرَّمٍ.
الجهةُ الثانيةُ: حُكْمُهُ مِن جهةِ أثرِه؛ فإنَّ أثرَ الخشوعِ عظيمٌ على الإيمانِ، وأثرُ فقدِهِ كبيرٌ عليه كذلك على ما تقدَّمَ؛ فإنَّ اللَّهَ لم يُقدَّمِ الخشوعَ على بقيَّةِ أوصافِ المؤمِنينَ إلَّا لأثرِهِ عليه، وأنَّ تفويتَهُ سببٌ لإطلاقِ اللِّسانِ باللَّغْوِ، وعدمِ حِفْظِ الفروجِ، وتضييعِ الزكاةِ، وتضييعِ الأماناتِ، وخَرْمِ العهودِ، فتركُ الخشوعِ المتسبِّبُ في ذلك يأثَمُ به صاحبُه، وإنْ لم نَقُلْ بوجوبِ أصلِ الخشوعِ، ولكنَّ القَدْرَ الذي يفحُشُ حتى يُفضِيَ إلى ضَعْفِ الإيمانِ، والابتلاءِ بالمحرَّماتِ، وتضييعِ الأماناتِ والعهودِ: محرَّمٌ، فيجبُ مِن الخشوعِ القَدْرُ الذى يَحفَظُ للعبدِ خشيةَ اللَّهِ، ويحُولُ بينَهُ وبينَ ما حَرُمَ، وهذا القَدْرُ -وإن تعسَّرَ على كثيرٍ مِن الناسِ