للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصحَّ إلحاقُ الولدِ بأمِّه عن ابنِ عبِّاسٍ؛ رواهُ عنه عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ (١).

ولا وجهَ للقولِ بأنَّ الولدَ لا ينتفي مِن أبيهِ إنْ أرادَ نفيهُ باللِّعانِ، بحُجَّةِ أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الزوجَيْنِ شَهِدَ على نفسِهِ بالصِّدْقِ ولعَنَ نفسَهُ إنْ كان كاذبًا؛ وذلك لأمورٍ:

أولًا: أنَّ الشهادةَ لِدَرْءِ الحدِّ عن الزوجَينِ؛ فالزوجُ يَشهدُ ليَدفعَ عن نفسِه حدَّ القذفِ، والزوجةُ تَشهدُ لتَدرأ عنها حدَّ الزِّنى؛ كما هو في ظاهرِ الآيةِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}، والولدُ لا يتعلَّق حُكْمُهُ بمجرَّدِ وقوعِ التلاعُنِ بينَهما؛ لأنَّ القذفَ قد يكونُ لأجلِ الفاحشةِ، وقد يكونُ لأجلِ نفيِ الولدِ، فربَّما يتَّهِمُ الزوجُ زوجتَهُ بالفاحشةِ ولا يتَّهِمُها بولدِها.

ثانيًا: أنَّ أعظَمَ أسابِ المُلاعَنةِ نفيُ الولدِ، وقد قال ابنُ القيِّم: "إنَّه أجَلُّ فوائدِ اللِّعانِ" (٢).

وأكثرُ الناسِ لو رأى زوجتَهُ على فاحشةٍ ولا يَخشى الولدَ منها ولا يُرِيدُها، فَارَقَها؛ لأنَّه بعدَ فذفِهِ ثمَّ مُلاعَنتِهِ لها لا يتحقَّقُ له إلَّا المُفارَقةُ منها، وهذا يستطيعُهُ بلا قذفٍ ولا لِعانٍ؛ بطلاقٍ أو خُلْعٍ، فلا حاجةَ له إلى تقحُّمِ القذفِ واللِّعانِ والتشهيرِ بنفسِهِ وزوجِهِ وولدِهِ السابقِ منها وهو قادرٌ على المُفارَقةِ لو لم يكنْ ولدٌ، والحقُّ وظاهرُ الدليلِ: أنَّ نفيَ الولدِ حقٌّ للزَّوْجِ؛ فله أن يَنفيَهُ وله أن يُبقيَهُ، وأمَّا حقُّ زوجتِهِ مِن اللِّعانِ، فتَدْرَأُ عن نفسِها العذابَ، ويَلحَقُ الولدُ بها، ولا يؤخَذُ منها لمجرَّدِ نفيِ أبيهِ له؛ كما ثبَتَ في "الصحيحِ"، في ولدِ زوجةِ عُوَيْمِرٍ، قال سهلٌ: "فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ" (٣)، وفي "المسنَدِ"، وعندَ أبي داودَ؛ مِن حديثِ


(١) "تفسير الطبري" (١٧/ ١٨٥).
(٢) "زاد المعاد" (٥/ ٣٥٧).
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>