للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء في أولِ الأمرِ ما رواهُ ابنُ خُزَيمةَ في "صحيحِه"، والطبرانيُّ، عن خالدٍ الحَذَّاءِ، عن أبي قِلابةَ، عن أنسٍ؛ قال: "كانتِ الصلاةُ إذا حضَرَتْ على عهدِ النبيِّ ، سعى رجلٌ إلى الطريقِ، فنادَى: الصلاةَ الصلاةَ! " (١).

وكان هذا العملُ في زمنِ الخلفاءِ الراشدِين: يُنَبِّهونَ على الصلواتِ النائمين، فضلًا عن القائِمِنَ والقاعِدِينَ في الأسواقِ، ويأمُرُونَهم بذلك؛ فقد اشتهَرَ هذا في فعلِ الخلفاءِ عمرَ وعليٍّ يقومونَ به بأنفُسِهِمْ لا يُنِيبُونَ عليه أحدًا؛ قال أبو زَيْدٍ المجاجيُّ في شرحِهِ على "مختصرِ ابنِ أبي جَمْرةَ": "ذكَرَ غيرُ واحدِ ممَّن ألَّفَ في السِّيَرِ أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ وعليًّا كانا مِن عادتِهما إذا طلَعَ الفجرُ، خرَجَا يُوقِظانِ الناس لصلاةِ الصبحِ" (٢).

وروَى كثيرٌ مِن أهلِ المسانيدِ والسِّيَرِ؛ كالطبريِّ وابنِ عساكِرَ والخطيبِ، بأسانيدَ أكَثرَ مِن أن تُساقَ في موضعٍ، ومتونٍ أشهَرَ مِن أن يَتطرَّقَ إليها احتمالُ الشكِّ بضَعْفٍ، منها عن ثابتٍ البُنانيِّ، عن أبي رافعٍ: "كان عمرُ يَخْرُجُ يُوقِظُ الناس للصَّلاةِ صلاةِ الفجرِ".

وروَى ابنُ سعدٍ بإسنادٍ صحيحٍ إلى الزُّهريِّ: "خرَجَ عمرُ يُوقِظُ الناسَ للصَّلاةِ صلاةِ الفجرِ، وكان عُمَرُ يَفعلُ ذلك" (٣).

وإذا كان هذا حالَ النائمِ في زمنِهِ، فكيف باليَقْظانِ يبيعُ ويَشترِي ويَفترِشُ الطرُقاتِ؟ ! بل قد كان الأعرابيُّ يَقدَمُ المدينةَ ومعه الجَلَبُ ليبيعَهُ في سوقِ المدينةِ وقتَ الصلاةِ ولا يجدُ الناسَ في السوقِ، فيَلزَمُ الصلاةَ معهم، ويخرُجُ بعدَها إلى السوقِ، كما رواهُ ابنُ أبي الدُّنيا في "إصلاحِ


(١) أخرجه ابن خزيمة فى "صحيحه" (٣٦٩)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (٥٩٨٤).
(٢) "التراتيب الإدارية" لعبد الحي الكتاني (١/ ١٣٤).
(٣) "الطبقات الكبرى" (٣/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>