للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُطلَقُ على الجهةِ التي يَكرَهُ الإنسانُ أن يُدخَلَ عليه منها عَوْرةٌ؛ كبابِ البيتِ ونافذتهِ وثَقْبِ البابِ، وجهةِ الحيِّ والمدينةِ التي لا حارسَ عليها مِن عدوٍّ أو سارقٍ؛ قال لَبِيدٌ:

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَورَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا

ومن هذا جاء النهيُ في هذه الآيةِ حتى لا يُرى صاحب البيتِ مِن خادمِهِ ومولاتِهِ والصغيرِ على حالِ يَكرَهُها ولو لم تكن خَطَأً أو حرامًا؛ كتخفُّقهِ مِن لِباسِهِ أو مباشرتِهِ لزوجتِه، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ قولُهُ: "إذا خلا الرجلُ بأهلِهِ بعدَ العِشاءِ، فلا يدخُل عليه خادمٌ ولا صبيٌّ إلَّا بإذنِهِ حتى يُصلِّيَ الغَدَاةَ" (١).

وقد عَدَّ بعضُ السلفِ الآيةَ منسوخةً؛ وذلك لأنَّهم رأَوْا أنَّها نزَلَت في حالِ ضَعْفِ الحالِ وعدم الستر والأبوابِ والغُرَفِ التي تُحكَمُ وتُغلَقُ بأبوابٍ وأقفالٍ، قالوا: "ولذلك يرتفِعُ الحرَجُ عن المَوَالي والصِّغَارِ".

والصحيحُ: إحكامُها، وارتفاعُ العلةِ لا يعني ارتفاعَ الحُكْمِ؛ فقد تعودُ العلةُ؛ فيعودُ الحُكمُ معها، ثمَّ إنَّها لم تَرتفِع بإطلاقٍ وإنِ ارتفَعَت مِن عامَّةِ الناسِ لليسارِ والنعيمِ الذي هم فيه.

وقد روى أبو داودَ، عن عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أبي يزيدَ، سَمِعَ ابنَ عبَّاسٍ يقولُ: لَم يُؤمَرْ بهَا أَكْثرُ النَّاسِ؛ آيَةَ الإذنِ، وإنِّي لَآمُرُ جَارِيتِي هَذِهِ تَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ" (٢).

وروى أيضًا عن عِكْرِمةَ: "أنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الَّتي أُمِرنَا فِيهَا بمَا أُمِرْنَا، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أحَدٌ: قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ


(١) "تفسير ابن أبى حاتم" (٨/ ٢٦٣٤).
(٢) أخرجه أبو داود (٥١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>