للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾ إلى ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ حَلِيِمٌ رَحِيمٌ بِالمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ (جمعُ: حَجَلَةٍ، وهي بيتٌ كالقُبَّةِ يُسْتَرُ بالثيابِ، يَجْعَلُونَها للعَرُوسِ)، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّه بالاِسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ" (١).

وأمرُ الصبيِّ في الآيةِ ليس مُتوجِّهًا إليه؛ لأنَّه غيرُ مكلَّفٍ؛ وإنَّما يتوجَّهُ إلى وليِّهِ أن يأمُرَهُ ويُعلِّمَهُ ويُؤدِّبَهُ إنْ خالَفَهُ؛ وذلك كقولِهِ : (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ) (٢).

* * *

* قال تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ٥٩].

في هذا: تشديدٌ على الصِّغارِ بعدَ بُلوغِهم في دخولِهم على والدِيهِمْ وإخوانِهم وأخواتِهم وأعمامِهم وخالاتِهم، وأنَّ ثبوتَ المَحْرَمِيَّةِ لا يعني جوازَ الدخولِ بلا إذنِ؛ لأنَّ ثَمَّةَ عَوْراتٍ لا يصحُّ لأحدٍ أن يَراها حتى الأرحامُ سوى الزوجاتِ، وثَمَةً أحوالٌ يَكرَهُ الإنسانُ رؤيتَهُ عليها ولو مِن زَوْجِه.

وكان ابنُ مسعودٍ يقولُ: "عليكم الإذنَ على أمَّهاتِكم" (٣).


(١) أخرجه أبو داود (٥١٩٢).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) "تفسير الطبري" (١٧/ ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>