للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليستْ سببًا غالبًا له؛ كركوبِ البحرِ، أو قصدِ السفرِ في متاهةٍ بَرِّيَّةٍ، ونحوِ ذلك.

والعربُ تسمِّي علاماتِ الموتِ وأسبابَهُ: مَوْتًا؛ قال رُوَيْشِدُ بنُ كَثِيرٍ الطَّائيُّ:

وَقُلْ لهُمْ بَادِرُوا بِالعُذْرِ وَالْتَمِسُوا … قَوْلًا يُبَرِّئُكُمْ إِنِّي أَنَا المَوْتُ (١)

فجعَلَ نفسَهُ هو الموتَ؛ لكونِهِ سببًا في حصولِه.

ومعنى قولِه تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ﴾؛ أيْ: قارَبَ أنْ يدَعَ مالَهُ وتَرِكَتَهُ لِمَنْ بعدَهُ، وهذا التركُ يفسِّرُهُ ما في سورةِ النساءِ؛ قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩].

وقولُه: ﴿خَيْرًا﴾؛ الخيرُ: هو المالُ؛ مِن النقدَيْنِ، وبهائمِ الأنعامِ، والزروعِ، والدُّورِ، وغيرِها، ويقولُ الناسُ: أُعطِيَ فلانٌ خيرًا؛ يعني: مالًا، وسُمِّيَ خيرًا؛ باعتبارِ أنَّ المقصِدَ مِن رزقِ الخالقِ له هو الانتفاعُ وكسبُ الخيرِ، ولكنْ قد يجعلُهُ الإنسانُ في شرٍّ، فيكونُ فعلُ الإنسانِ وتصرُّفُهُ فيه هو الشرَّ، وليس أصلَ المالِ.

روى ابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيرِه"، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ: قوله: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾؛ يعني: مالًا (٢).

وروى عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ؛ في قولِ اللَّهِ: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾؛ قال: مالًا (٣).

ويُطلِقُ الناسُ كلمةَ الخيرِ على المالِ الكثيرِ لا القليلِ الذي لا يَكْفِي الإنسانَ وذريتَهُ؛ روى ابنُ أبي حاتمٍ في "تفسيرِه"، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أبيهِ؛ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ على رَجُلٍ مِن قَوْمِهِ يَعُودُهُ، فقالَ له:


(١) "غريب الحديث" للخطابي (٢/ ٧٢).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٢٩٩).
(٣) أخرجه مجاهد في "تفسيره" (١/ ٢٢٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>