للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَعوا فيه الشِّرْكُ والقتلُ والزِّنى، وقد حرَّم اللَّهُ الزِّنى بمكَّةَ؛ لأنَّه أصلٌ فِطْريٌّ، ثمَّ تأخَّرَ تشريعُ تحريمِ وسائلِه وضبطُها في المدينةِ؛ لأنَّ مَن لا يُقِرُّ بالغايةِ لا يشدَّدُ عليه في الوسيلةِ حتى يُؤمِنَ بحُرْمةِ الغايةِ.

* * *

* قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٧].

في هذه الآيةِ: ما كان عليه النبيُّ وسائرُ الأنبياءِ مِن مخالَطةِ الناسِ وفِعْلِ ما يَفعلونَ، وعدمِ الترفُّعِ عمَّا هم عليه مِن مَلْبَسٍ ومأكلٍ ومَشْرَبٍ ومكْسَب، وأنَّه لا يجوزُ لِمَنْ سلَك طريقَ الأنبياءِ أنْ يَتَّخِذَ مِن الدِّينِ سُلَّمًا إلى دنياه، فيَتخِذَ جاهًا ومالًا وسلطانًا لنفسِه، ولمَّا كان كفارُ قُريشٍ أصحابَ دُنيا وحُبِّ للسُّؤْدَدِ والعُلُوِّ والجاهِ، لم يسلِّموا للنبيِّ ؛ لكونِه يَدْعوهم إلى اتِّباعِه وهو مِثلُ الناسِ في مأكلِه ومَشْرَبِه ومَمْشَاه، وإنَّما لم بجعَلْه اللَّهُ عاليًا في مَالِه وسلطانِه عليهم؛ لأنَّهم سيُؤمِنونَ طمعًا لا صِدْقًا، وخوفًا ورهبةً لا رغبةً ويقينًا، ثمَّ إنَّ دلك سيُتَّخَذُ سُنَّةً مِن بعدِه لأتباعِه؛ أنْ يَطلُبوا الدُّنيا والعلوَّ والسُّلْطانَ بالدِّينِ، فيُصبحُ الدِّينُ سُلَّمًا لمُبتغِي الدُّنيا لا لمُبتغي الآخِرةِ، ويَدخُلُه كلُّ صاحبِ طمعٍ، ويحرَّفُ الدِّينُ لتُحَقَّقَ الغاياتُ، وكلُّ سلطانٍ وصاحبِ جاهٍ يَتَّخِذُ النبيَّ له أُسوةً في قصدِ المالِ والشرَفِ.

والأصلُ: أنَّ النَّفسَ إنِ امتلأتْ مِن الدُّنيا، لم يبقَ للدِّينِ شيءٌ، وقد جعَل اللَّهُ فيها مِن كلِّ واحدٍ نصيبًا، ونصيبُ الدِّينِ هو الأكبرُ.

ويُستحَبُّ للعلماءِ ألَّا يَخرُجوا عن عاداتِ الناسِ ما لم تُخالِفْ أمرَ اللَّهِ، فيكونونَ مِثلَهم في مَلْبَسِهم ومَشْرَبِهم ومَأْكَلِهم ومَسْكَنِهم

<<  <  ج: ص:  >  >>