ومَمْشاهم وقضاءِ حوائجِهم، وألَّا يَتكلَّفوا حالًا تميِّزُهم عنهم، فلا يُوجَدُ في الإسلامِ زِيٌّ يُسمَّى زِيَّ العلماءِ، ولا لِباسٌ يُسمَّى لِباسَ الصالحِين؛ وإنَّما الذي فيه زِيُّ المُسلِمينَ ولباسُهم، فهم فيه سواءٌ، ومَن خرَج عن هذا اللِّباسِ هو الذي امتاز عن المُسلِمينَ بالمخالَفةِ؛ كمَن يَلبَسُ الحريرَ والذهبَ من الرجالِ، ولِباسَ الشُّهْرةِ والمُسْبَلَ مِن الثيابِ، وقد كان النبيُّ ﷺ يَلبَسُ كما يَلبَسُ قومُه: عمامةً وإزارًا ورِداءً، وربَّما ثوبًا وقميصًا وجُبَّةً، ويَتخِذُ لونًا كألوانِهم، وحذاءً كأحذيتِهم، ومَرْكَبًا كمَراكِبِهم، ومَسْكَنًا مِثلَهم، ويَقضي حاجتَهُ وحاجةَ أهلِه كما يَقضي الناسُ حاجتَهم، وهذا هَدْيُ جميعِ الأنبياءِ مِن قبلِه؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٠].
وقد جعَلَ اللَّهُ هذا التفاضُلَ بينَ الخَلْقِ: رفيعٌ ووضيعٌ، وقويٌّ وضعيفٌ، وغنيٌّ وفقيرٌ، ومَلِكٌ ومملوكٌ، وسيِّدٌ وعبدٌ - فتنةً، ليستْ بذاتِها حقًّا ولا باطلًا، وإنَّما الذي يُميِّزُ الحقَّ مِن الباطلِ تمييزُهما بنفسَيْهما؛ فالحقُّ حقٌّ بنفسِه؛ فقد يكونُ مع عبدٍ وقد يكونُ مع سيِّدٍ، وقد يكونُ مع رفيعٍ وقد يكونُ مع وضيعٍ؛ قال عِكْرِمةُ في قولِه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٠]: هو التفاضُلُ في الدُّنْيا والقُدْرةِ وقهرِ بعضِكم لبعضٍ؛ فهي الفتنةُ التي قال اللَّهُ: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٠](١) فهي فتنةٌ وابتلاءٌ للتمايُزِ، وتحقيقِ سُنَّةِ التدافُعِ، وتركيبِ منظومةِ الكونِ ليستقيمَ أمرُه؛ فإنَّه لا يصحُّ كونٌ الخلقُ فيه مِن جنسٍ ونوعٍ واحدٍ.