وعملُ الأُمَّةِ في كلِّ القرونِ الفاضلةِ وما بعدَها على ذلك في سائرِ البُلْدانِ وفي عملِ سائرِ المذاهب؛ لم تكنِ المرأةُ تَلِي شيئًا مِن هذا النوع مِن الوِلَايةِ، كما قال القَرَافِيُّ:"لم يُسمَعْ في عصرٍ مِنَ العصورِ أنَّ امرأةً وَلِيَتِ القضاءَ؛ فكان ذلك إجماعًا، لأنَّه غيرُ سبيلِ المؤمنينَ. . . وقياسًا على الإمامةِ العُظْمى"(١).
وقد كانتْ أمَّهاتُ المؤمنينَ أفضَلَ نساءِ زمانِهِنَّ، ومات النبيُّ ﷺ عن أكثرِهِنَّ، وكذلك نساءُ الصحابةِ مِن المُهاجِراتِ والأنصاريَّاتِ، لم يثبُت أنَّ الصحابةَ وَلَّوُا امرأةً منهنَّ، مع عَقْلِهنَّ ودِينِهنَّ وعِلْمِهنَّ.
وينسُبُ بعضهم إلى ابنِ جريرٍ الطبريِّ القولَ بِولَايةِ المرأةِ للقضاءِ؛ وهذا لا يثبُتُ عنه، وهو مِن الكذب عليه، فلا يُوجَدُ في كتبِه صريحًا، ولا أُصولُهُ تَجري على مِثْلِ هذا القوَلِ.
وأمَّا قولُ أبي حنيفةَ: إن المرأةَ تَقضي فيما تَشهَدُ فيه، فليس ذلك توليةً لها للقضاءِ فتتولاهُ وتنتصِبُ له؛ وإنَّما يصحُّ منها الفصلُ العارضُ؛ لأنَّ إمضاءَ الحُكْمِ شيءٌ، والانتصابَ للوِلَايةِ عليه شيءٌ؛ فأبو حنيفةَ يَكرَهُ للمرأة الشابَّةِ خُرُوجَها إلى المساجدِ نهارًا؛ حتى لا يراها الرجالُ؛ فكيف يُنصِّبُها قاضيةً لهم؟ !
ويُنسَبُ توليةُ المرأةِ مَنْصِبَ القضاءِ إلى الحنفيَّةِ، وهذا باطلٌ أيضًا؛ وفقهاءُ الحنفيَّةِ عبرَ القرونِ الماضيةِ مع انتشارِ مذهبِهم في الدولةِ العثمانيَّةِ لم يكنْ واحدٌ منهم يعملُ بذلك، ولا جوَّزَهُ للسُّلْطانِ، ولا وضَعُوا مدارسَ لتعليمِ المرأةِ القضاءَ والفصلَ ببنَ الخصومِ، ولم يثُبُتْ في عصورِ دولةِ الإسلامِ تَوَلِّي امرأةٍ للقضاءِ إلَّا أمَّ موسى القَهْرَمَانةَ حينَما وَلَّتْها في بغدادَ أمُّ المُقتدِرِ حينَما تولَّى ابنُها وهو دونَ البلوعِ، فوَلَّتْها باستبدادٍ وقهرٍ، لا بعِلْمٍ وفُتْيا، ولم يُوَلِّها خليفةٌ مسلِمٌ، وكانتْ معروفةٌ بالشرِّ