والظُّلْمِ، ويأتيها الناسُ ضرورةً لا اختيارًا، ولم تكنْ مهمتُها إلَّا التوقيعَ على الصكوكِ والمراسمِ، لا الفصلَ والفضاءَ، ثمَّ لمَّا رأى المقتدِرُ بعدُ فسادَهَا في الأموالِ والتصرُّفاتِ، حبَسَها.
النوعُ الثاني: وِلَايةٌ خاصَّةٌ، وهي ولايةُ المنافعِ، وهي ما لا يَتجزَّأُ عن ولايةِ الإمامِ، ويصحُّ أن يقومَ به الرجالُ والنساءُ مِن غيرِ إمامٍ؛ كوِلَايةِ المنافعِ مِن ولايةِ المرأةِ على البيعِ والشراءِ، وولايتِها على الأيتامِ والأراملِ أفرادًا أو جماعاتٍ أو مؤسَّساتٍ، وولايتِها على نساءِ جنسِها بتعليمِهِنَّ، وولايتِها على المدارسِ والمَصَحَّاتِ التي لا يتَّصلُ بها مَفاسِدُ تتعدَّى بها إلى محرَّمٍ؛ فتحرُمُ حينئذٍ لأجلِ غايتِها، لا لأجلِ مجرَّدِ الولايةِ؛ كولايةِ المرأةِ على تعليمِ الرجالِ والنساءِ؛ فذلك لا يصحُّ، لا لأجلِ كونِها ولايةً؛ ولكنْ لكونِ ذلك يَلزَمُ منه مَفاسِدُ، كاختلاطِها بالرجالِ الأجانبِ؛ فهي إمَّا أن تختَلِط بهم أو تُقصِّرَ في ولايتِها؛ وكلا الأمرينِ لا يجوزُ؛ فامتنَعَ تَوَلِّيها.
وإنَّما حازتْ هذه الأنواعُ؛ لأنَّها ولاياتٌ لا يَلْزَمُ في قيامِها إذنُ الإمامِ، وليستْ مِن ولايتِهِ ولا جزءًا منها، فيجوزُ للناسِ أن يُعلِّموا صبيانَهم، ويَحفَظوا أموالَهم، ويُعالِجوا أنفسَهم، ويَبْنُوا دُورًا لذلك، ولا يُشترَطُ عندَ الفقهاءِ إذنُ الإمامِ بهذا؛ لأنَّها ليستْ مِن ولايتِهِ ولا مِن أجزائِها، ما لم يكنْ قد وضَعَ الأمامُ نظامًا يُصلِحُ أحوالَ الناسِ ويَضبِطُ حياتَهم؛ حتى لا يَبغِيَ بعضُهم على بعضٍ، فيُلتزَمُ ذلك، لا لكونِهِ لا يصحُّ عمل الناسِ وتلك الولايةُ إلَّا به، ولكنْ لأنَّه أصلَحُ للناسِ فتجبُ طاعتُه.
وهذا بخلافِ ولايةِ الجُنْدِ والجيشِ والقضاءِ وإمارةِ البُلْدانِ والقُرَى، فهذا لا بدَّ له مِن إذنِ الإمامِ؛ لأنَّه مِن ولايتِه وأجزائِها؛ إذْ لا يجوزُ للناسِ أن يضَعُوا لقريتِهم أوَ حيَّهم قاضيًا أو أميرًا -دون إذن