للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٠ - ٣٢].

أمَر اللَّهُ نبيَّه بتوجيهِ وَجْهِهِ إلى اللَّهِ وتسليمِهِ له، وبيَّن أنَّ التوحيدَ هو الفِطْرةُ التىِ خُلِقَ الناسُ مَفطورِينَ عليها، وفي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ : (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنْصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ! ) (١).

يعني: أنَّ الإنسانَ يُولَدُ مفطورًا على الإيمانِ بخالقٍ واحدٍ، ومفطورًا على عبادتِهِ والخضوعِ له، وجعَلَ اللَّهُ فِطْرةَ الإنسانِ مُوافِقةً لشرائعِه، فلا يوجدُ شيءٌ منها خلافَ الآخر، ولكنَّ الإنسانَ ينحرفُ بتسويلِ الشيطانِ والنَّفسِ؛ كما في "صحيحِ مسلم"، عن عِيَاضِ بن حِمَارٍ؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ : يقولُ اللَّهُ: (إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ) (٢).

وقد جعَلَ اللَّهُ الفِطْرة هي الدِّينَ؛ كما في هذه الآيةِ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾؛ ولهذا لا يجوز تغييرُ الفِطْرةِ وتبديلُها على ما تستنكِرُهُ الشريعة والأوامر الربانية، وقد تقدَّم الكلامُ على الفِطرةِ وحُكْمِ تغييرِها عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩]،


(١) أخرجه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) أخرجه مسلم (٢٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>