للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك؛ وإنَّما لأنَّه يُخامِر العقلَ ويُسكِرُه ويغطِّيه؛ فكلُّ ما كان فيه هذه العلةُ يُسمَّى خمرًا محرَّمًا ولو كان مِن غيرِ تلك الأصنافِ؛ بل حتى لو كان إلكترونيًّا كما حدَثَ في هذا الزمنِ ممَّا يُسمَّى بالمخدِّراتِ الإلكترونيَّةِ؛ إذ تُوضَعُ سمَّاعاتٌ في الأُذُنِ وتُحدِثُ أصواتًا متناغمةً على نسقٍ معيَّنٍ يُؤثِّرُ في انتظامِ العقلِ فيَختلُّ، ويكونُ السامعُ بعدَ وقتٍ فاقدًا لعقلِهِ كنَشْوةِ السَّكْرانِ، ثمَّ لا يلبثُ إلَّا ويُفيقُ.

والمعازِفُ حُرِّمَتْ لذاتِها؛ فما كان آلةَ عَزْفٍ واتُّخِذَ لذلك، فهو محرَّمٌ ولو لم يكنْ معه شِعْرٌ وكلامٌ؛ وذلك لقولِ النبيِّ : (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ)؛ رواهُ البخاريُّ (١)، وقال بتعليقِه ابنُ حزمٍ (٢)، وليس كذلك، وقد بيَّنَّا وَصْلَهُ وصِحَّتَهُ في رسالةِ "الغِنَاءِ".

وتحليلُ المعازفِ اليومَ مِن علاماتِ النبوَّةِ التي أخبَرَ عنها النبيُّ ، يَزِيدُ المؤمِنَ يقينًا بصِدْقِ رسالتِه لإخبارِه، ولا يُشكِّكُهُ في حُكْمِ المعازِفِ؛ إذْ لا يوجدُ مذهبٌ مِن المذاهبِ الأربعةِ، ولا قَرْنٌ مِن قرونِ الإسلامِ، ولا بلدٌ مِن بُلْدانِه خلا من عالِمٍ يَحكِي الإجماعَ على حُرمتِها.

* * *

* قال تعالى: ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].

أمَرَ لُقْمانُ ابنَه بالصلاةِ، وقرَنَ الأمرَ بها بأمرٍ آخَرَ، وهو الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكَرِ، يعني: اؤمُرْ غيرَك؛ لأنَّ صلاةَ العبدِ إنْ كَمَلَتْ، نَهَتْهُ هو عن الفحشاءِ والمُنكَرِ؛ كما في قولِه تعالى: ﴿إِنَّ


(١) أخرجه البخاري (٥٥٩٠).
(٢) "المحلَّى" (٩/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>