للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، فأمَرَ لقمان ابنَهُ أن يأمُرَ غيرَهُ؛ لاكتفائِهِ بقيامِ صلاته بذلك في نفسه؛ فمَن تَمَّتْ صلاتُه، تمَّ باقي دِينِه، وبمقدارِ نَقْصِها والتفريط فيها وفي خشوعِها يَنقُصُ دِينُهُ ويضعُفُ أثرُها عليه.

وقولُه تعالى: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، فيه: أنَّ دعوةَ جميعِ الأنبياءِ والأولياءِ الجمعُ بينَ (الأمرِ) و (النهي): أمرٍ بمعروفٍ، ونهيٍ عن منكَرٍ، ولا يُقتصَرُ على واحدٍ دون الآخَرِ.

وبعضُ المُصلِحِينَ يَمِيلُ إلى إظهارِ المعروفِ، ويعطِّلُ النهيَ عن المنكَرِ؛ لأنَّ الناسَ لا يُحِبُّونَ مَن يَنْهاهُم عن شهواتِهم، وهؤلاءِ المُصلِحونَ قاموا ببعضِ الكتابِ وترَكُوا بعضًا، ومنَعَهُمْ خشيةُ تفويتِ محبةِ الناسِ واستعدائِهم، وهذا ليس طريقًا للأنبياءِ.

وقوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾، فيه: أنَّ البلاءَ لا بدَّ أن يَلحَقَ الآمِرَ بالخيرِ والناهيَ عن الشرِّ لا محالةَ؛ ولهذا لم يأمُرهُ بتجنُّبِ البلاءِ؛ وإنَّما أمَرَهُ بالصبرِ عليه؛ لكونِ البلاءِ متحقِّقًا قَدَرًا؛ سواءٌ قَلَّ أو كثُر، ولكنْ يجبُ معه الصبرُ.

وقد تقدَّم الكلامُ على شريعةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكَرِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٤].

* * *

* قال تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩].

في هذه الآيةِ: إرشادٌ إلى الاعتدالِ في المشي والكلامِ؛ فيكونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>