للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم قَلْبَيْنِ يَفهَمُ بهما أعظَمَ مِن النبيِّ ، ومن أَشَدِّ صوارفِ أهلِ الضلالِ عن الحقِّ دَعْوَى الفَهْمِ بالوَهْمِ، فما يزالُ يَتوهَّمُ أنَّه يُدرِكُ ما لا يُدرِكُه غيرُه، وتَغُرُّه نفسُه؛ حتى يُختَمَ له بُسوءٍ، فإنَّ النَّفْسَ إنْ أرادتْ صَرْفَ الإنسانِ عن الحقِّ، وَهَّمَتْهُ أنَّ عقلَهُ خيرٌ مِن أتباعِ الحقِّ؛ لتُسَلِّيَهُ وتُبْقِيَهُ على الباطلِ، فالنَّفْسُ لا تَقْوى على العقلِ إلَّا بخداعِه.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾، فيه: إبطالٌ لطلاقِ الجاهليةِ الذي كانوا يَضُرُّونَ به المرأةَ، فيُظاهِرُونَ منها ويُحرِّمونَها عليهم كأمَّهاتِهم، وسيأتي الكلامُ على الظِّهارِ وأحكامِهِ في سورةِ المجادَلَةِ بإذنِ اللَّهِ.

وقولُه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾: كانتِ العربُ تتبنَّى الولدَ وتسمِّيهِ باسمِها، فينتسِبُ كأولادِهم من أصلابِهم، ويَرِثُونَ منهم كأبناءِ النَّسَبِ، ويُصبحُ مَحْرَمًا كمَحَارِمِ الأولادِ، فأبطَلَ اللَّهُ ذلك كلَّه، وبيَّن أنَّ تلك ألفاظٌ يُطلِقونَها عليهم (يا بُنَيَّ)، وليستْ مِن الحقِّ في شيءٍ، ولا أثَرَ لها في الأحكامِ.

وقد حرَّم اللَّهُ على الرجُلِ أنْ يَنسُبَ لِنَفسِهِ ولدًا ليس ولدًا له، وحرَّم على الولدِ أن ينتسبَ إلى أبٍ ليس أبًا له، وشدَّد في ذلك فجعَلَهُ كبيرةً؛ لاستحقاقِه اللعنَ، ولأنَّه مِن كُفْرِ النعمةِ ونُكْرانِ الفضلِ وجَحْدِه، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ سعدٍ؛ قال : (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) (١)، وفيهما مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ كُفْرٌ) (٢)، وفي مسلمٍ؛ مِن حديث عليٍّ مرفوعًا: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى


(١) أخرجه البخاري (٦٧٦٦)، ومسلم (٦٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٦٨)، ومسلم (٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>