للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأعظَمِ أوصافِهِ وأشرفِها؛ فأشرفُ الأسماءِ والأوصافِ هو النبوَّةُ، وأشرفُ أوصافِ أزواجِهِ هو أمَّهاتُ المؤمِنِين، وعندَ نِدائِهِ يُسمَّى بأشْرفِها وأَسْمَاها، وإن جاز أَدْناها اعتراضًا لا الْتِزَامًا.

وأمَّا قولُهُ تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، فالمرادُ به تحريمُ الانتسابِ إليه أُبُوَّةَ نسَبٍ؛ فقد كان هناك مَن يَنْتسِبُ إليه بالتبنِّي، وقد كان النبيُّ قد تبنَّى قبلَ النبوَّةِ زيدَ بنَ حارثةَ، فلم يكنْ أباه، وإن كان قد تبنَّاه.

وفي هذه الآيةِ: تحريمُ نكاحِ أمَّهاتِ المؤمنينَ بعدَ النبيِّ بلا خلافٍ؛ فلا يجوزُ للرجُلِ أن يتزوَّجَ أمَّه.

وبعضُ الفقهاءِ يَرى أنَّ الخِطابَ للذكورِ مقصودٌ في قولِه: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ , وأنَّهُنَّ أمَّهُاتُ رجالِ المؤمنينَ لا نسائِهم، وفي هده المسألةِ خلافٌ.

وقد رَوَى مسروقٌ؛ قال: قالتِ امرأةٌ لعائشةَ: يا أُمَّهْ، فقالتْ لها عائشةُ: "أنا أمُّ رجَالِكم، ولستُ أُمَّ نِسَائِكم"؛ رواهُ ابنُ سَعْدٍ والبيهقيُّ بسندٍ صحيحٍ (١).

ورَوى ابنُ سعدٍ، عن مصعبِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ أبي أميَّةَ، عن أمِّ سَلَمةَ زوجِ النبيِّ ، أنَّها قالتْ: "أنا أَمُّ الرِّجالِ منكم والنِّساءِ" (٢).

والأظهرُ: العمومُ، وأنَّهُنَّ أمَّهاتُ المؤمنينَ رجالًا ونساءً؛ لأنَّهُنَّ أَحَذْنَ أمومتَهُنَّ مِن أُبوَّتِه ، وأبوَّتُهُ هي للمؤمنينَ كافَّةً، وقراءةُ أُبَيِّ بنِ كعبٍ: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ) (٣) إشارةٌ إلى ذلك، ولعلَّ مرادَ


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٨/ ٦٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ٧٠).
(٢) "الطبقات الكبرى" (٨/ ١٧٩ و ٢٠٠).
(٣) "تفسير القرطبي" (١٧/ ٦٣)، و"تفسير ابن كثير" (٦/ ٣٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>