للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشَاربِهم ومَذَاهبِهم، قال الجَصَّاصُ: "وهذا الحُكْمُ وإنْ نزَلَ خاصًّا في النبيِّ وأزواجِه، فالمعنى عامٌّ فيه وفي غيرِه" (١).

وقال القُرْطُبيُّ: "في هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّ اللَّهَ تعالى أَذِنَ في مَسْأَلَتِهِنَّ مِن وراءِ حجابٍ في حاجةٍ تَعرِضُ، أو مسألةٍ يُستفتَيْنَ فيها، ويدخُلُ في ذلك جميعُ النساءِ بالمعنى" (٢).

وعلى هذا نَصَّ ابنُ جريرٍ (٣)، وابنُ كثيرٍ (٤)، وأئمَّةُ التفسيرِ.

ثانيَ عشَرَ: سببُ تخصيصِ أزواجِ النبيِّ لمزيدِ تشديدٍ عَلَيْهِنَّ؛ لأنَّ أمرَهُنَّ يَمَسُّ النبيًّ فمعلومٌ أنَّ حِفظَ العِرْضِ يُقدَّمُ في بعصِ الأحوالِ على حِفْظِ الدِّينِ كَوْنًا وقَدَرًا؛ اهتمامًا به؛ فقد تكونُ زوجةُ نبيٍّ مِن أنبياءِ اللَّهِ كافرةً كامرأةِ لُوطٍ وامرأةِ نُوحٍ، لكنْ لا يُمكِنُ أن تقَعَ في الزِّنى، واللَّهُ يَعْصِمُهُنَّ مِن ذلك؛ لأنَّ الزِّنى أَذِيَّتُهُ متعدِّيةٌ للزَّوْجِ وعِرْضِه، فمَن يَبقى مع زانيةٍ وهو عالِمٌ: دَيُّوثٌ في الشرعِ، بخلافِ مَن يَبقى مع كافرةٍ؛ لهذا أجاز اللَّهُ زواجَ اليهوديَّةِ والنصرانيَّةِ بقولِه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥]، وكَرِهَ نكاحَ الزانيةِ ولو مُسْلِمةً: ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ [النور: ٣]، وقال: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦]، وأُمَّهاتُ المؤمنينَ قدوةٌ، والتشديدُ عليهنَّ أَوْلى: ﴿يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠)[الأحزاب: ٣٠]، مع أنَّ تحريمَ الفاحشةِ على جميعِ النساءِ، ولكنْ لنساءِ النبيِّ مزيدُ تشديدٍ، وهو في الحجابِ وفي الاختلاطِ والفاحشةِ سواءٌ، ولتمامِ عدلِ اللَّهِ ورحمتِهِ بِهِنَّ جَعَلَهُنَّ في بابِ الثوابِ أعظَمَ مِن الصحابيَّاتِ -فضلًا عن نساءِ الأُمَّةِ- في الإثابةِ


(١) "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٢٤٢).
(٢) "تفسير القرطبي" (١٧/ ٢٠٨).
(٣) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٦٦).
(٤) "تفسير ابن كثير" (٦/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>