للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المواضعِ التي يَتوجَّهُ الخِطَابُ إليه لمَزِيَّةٍ له ليستْ في أحدٍ مِن الأتباعِ، فالآياتُ التي يُخاطَبُ بها النبيُّ عامَّةٌ له ولغيرِه، مع كونِ الخِطاب خاصًّا به ليس بمشتَرَكِ بالمقابَلَةِ مع المؤمنينَ؛ كما هنا: ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣].

فلا يُقالُ بأنَّ دخولَ البيوتِ بلا استئذانٍ جائزٌ؛ لخَصُوصيَّةِ النصِّ بالنبيِّ هنا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، ولكنَّ المقصودَ مزيدُ تشديدٍ في بيتِه كما أنَّ التشديدَ رائدٌ في نسائِه.

ومِثْلُ ذلك السَّرَاحُ والطلاقُ والمُتْعةُ؛ فخطابُ النبيِّ به لا يجعلُهُ خاصًّا له ولأزواجِه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨)[الأحزاب: ٢٨]

وهل مَن تُرِيدُ اللَّهَ ورسولَهُ مِن النساءِ لا تدخُلُ في استحقاقِ الأجرِ العظيمِ؛ كما جاء في سياقِ نفسِ آياتِ الحِجابِ الموجَّهةِ لأمَّهاتِ المؤمنينَ: ﴿إِنْ كُنْتُنَّ﴾ -أي: يا نساءَ النبيِّ- ﴿تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٩]؟ !

عاشرًا: دفَعَ فَهْمَ الخَصُوصيَّةِ في آياتِ الحجاب غيرُ واحدٍ مِن مفسِّري السلفِ؛ كما رواهُ عبدُ الرزاقِ في "تفسيرِه"، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ؛ قال: "لمَّا ذكَرَ اللَّهُ أزواجَ النبيِّ ، دخَلَ نساءُ المسلِمَاتِ عليهنَّ، فقُلْنَ: ذُكِرْتُنَّ ولم نُذكَرْ، ولو كان فينا خيرٌ، ذُكِرْنَا، فأنزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] " (١).

حاديَ عشَرَ: أنَّ المفسِّرينَ يُطبِقونَ على هذا الأمرِ على اختلافِ


(١) "تفسير القرآن" لعبد الرزاق (٢/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>