للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جماعةٌ ومِن السلفِ: إنَّ المرادَ بذلك: هو أنَّ لك أنْ تُبقِيَ مَن تشاءُ في عِصْمَتِكَ، وتطلِّقَ مَن تشاءُ؛ ورُوِيَ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ (١)؛ وفي هذا أنَّ اللَّهَ أباحَ له مِن النِّساءِ الزواجَ بلا عدَدٍ، وقد نصَّ على هذا المعنى الشافعيُّ في "الأمِّ" (٢).

وبعضُهم حمَل الإرجاءَ في قوله: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾؛ يعني: مِن الواهباتِ أنفُسَهُنَّ لك، وقال بهذا الشعبيُّ (٣).

وحمَل بعضُ المفسِّرينَ الآيةَ على العمومِ في إرجاءِ الواهباتِ أو إمساكِهِنَّ، وفي أمرِ القَسْم بينَ الزوجاتِ أنَّه بالخيارِ، واستُدِلَّ عليه بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ (٤)؛ أي: أنَّ أمَّهاتِ المؤمنينَ إنْ عَلِمْنَ أنَّ اللَّهَ أذِنَ لكَ وليس بحقٍّ لهنَّ ذلك، فالأمرُ أهوَنُ في نفوسِهنَّ فلا يَحْزَّن ولا يَجِدْنَ حرَجًا، ولا يجدُ النبيُّ حرَجًا مِن ذلك، فلا يُظَنُّ به مَيْلٌ لواحدةٍ دونَ أُخرى.

ومع ذلك كان النبيُّ يَعدِلُ بينَ نسائِه ويَستأذِنُهُنَّ تطييبًا لنفوسِهِنَّ، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ، عن عائشةَ "أنَّ رسولَ اللَّهِ كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ المَرْأَةِ مِنَّا، بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾، فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ: إنْ كَانَ ذَاكَ إلَيَّ، فَإنِّي لَا أُرِيدُ -يَا رَسُولَ اللَّهِ- أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا" (٥).

وكانتْ عائشةُ تقولُ: "كان رسولُ اللَّهِ لَا يُفَصِّلُ بَعْضَنَا


(١) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٤٠).
(٢) "الأم" (٥/ ١٥١).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣١٤٥).
(٤) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٤٣)، و"تفسير ابن كثير" (٦/ ٤٤٦).
(٥) أخرجه البخاري (٤٧٨٩)، ومسلم (١٤٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>