للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد يُطلَقُ في اللُّغةِ على الفصلِ بينَ رجالٍ ورجالٍ؛ كما في حديثِ أنسٍ في "الصحيحَيْنِ"، في قصةِ موتِ النبيِّ ؛ قال: "أَوْمَأَ النَّبِيُّ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ الحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ" (١).

وقد يُطلَقُ على الفصلِ بينَ الرجالِ والنساءِ؛ كما في قولِ عمرَ في الصحيحِ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالحِجَابِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ" (٢).

وإنَّما شدَّد اللَّهُ على نساءِ النبيِّ؛ تعظيمًا للنبيِّ ، وبقيَّةُ النساءِ يَدخُلْنَ في هذا الحُكْمِ؛ لكنَّ حُكْمَهُنَّ أخَفُّ؛ لأنَّ التَّبِعَةَ عليهنَّ وعلى أزواجِهنَّ أيسَرُ، ولأنَّ اللَّهَ ذكَرَ علةً مشترَكةً لكلِّ النساءِ: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، ولا يسُوغُ أنَّ طهارةَ قلوبِ سائرِ المؤمناتِ وسائرِ المؤمنينَ ليس بمَطلَبٍ في الشرعِ، وقد ذكَرَ اللَّهُ ذلك في أمَّهاتِ المؤمنينَ؛ وهنَّ أطهَرُ نساءِ العالَمِين، وفي الصحابةِ؛ وهم أطهَرُ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها، فغيرُهم أحوَجُ إلى ذلك، وقال بعمومِ هذه الآيةِ ابنُ جريرٍ الطبريُّ، وابنُ عبدِ الَبرِّ، وغيرُهما (٣).

وهذه الآيةُ جاءتْ في حُكْمِ الاحتجابِ عن الرجالِ في البيوتِ، ومِثلُهُ التعليمُ والعملُ؛ لأنَّه يطولُ الحديثُ والقعودُ فيها، فكانتْ آيةُ الحجابِ مبيِّنةً لحُكْمٍ، وآيةُ الجلابيبِ مبيِّنةً لحُكْمٍ آخَرَ، وهو اللِّباسُ عندَ إرادةِ الخروجِ إلى الطُّرُقاتِ والسوقِ والمساجدِ وغيرِها.

* * *


(١) أخرجه البخاري (٦٨١)، ومسلم (٤١٩).
(٢) أخرجه البخاري (٤٤٨٣).
(٣) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٦٦)، و"التمهيد" (٨/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>