للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدَّم الكلامُ على مسألةِ الاستئذانِ عندَ دخولِ البيوتِ وصِفَتِهِ، وبَذْلِ السلامِ عندَ دخولِها، في سورةِ النورِ.

وقولُه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾؛ يعني: غيرَ منتظِرِينَ نُضْجَ الطعامِ واستواءَهُ؛ وذلك أنَّ منهم مَن كان يأتي إلى بيتِ النبيِّ وقتَ غدَائِهِ مِن غيرِ دعوةٍ، فنهاهُم اللَّهُ عن ذلك، وأَذِنَ لهم بدخولِ البيتِ عندَ الدعوةِ فحَسْبُ، مِن غيرِ مجيءٍ لانتظارِ الغداءِ، بلا دعوةٍ منه .

وقولُه تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، في هذا تعظيمٌ لحُرْمةِ أمَّهاتِ المؤمنينَ بعدَما بيَّن حُرْمةَ بيتِه.

والمتاعُ: كلُّ ما يُستمتَعُ له مِن البيوتِ عادةً؛ مِن طعامٍ وشرابٍ وإناءٍ ولِباسٍ.

والحِجَابُ يُستعمَلُ في الكتَابِ والسُّنَّةِ بمعانٍ، أشهَرُها وأَعَمُّها -وهو المرادُ هنا-: أنَّه بمعنى الحاجزِ الساترِ بينَ شيئَيْنِ، ويكونُ مِن جدارٍ أو قُمَاشٍ أو خَشَبٍ، وليس هو في القرآنِ والسُّنَّةِ يُطلَقُ على معنًى مِن مَعاني اللِّبَاسِ أو اللّبْسِ، وهو المرادُ في الآيةِ لأُمَّهَاتِ المؤمنينَ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، ومِن هذا المعنى: قولُه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١]، وقولُهُ عن مريمَ: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ [١٧]، وقولُه عن نبيِّه سليمانَ: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢)[ص: ٣٢]، وقولُه عن قولِ الكفارِ للنبيِّ : ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)[فصلت: ٥]، وكذلك هو في السُّنَّةِ بمِثْلِ هذا المعنى، فليس هو لِباسًا يختَصُّ به أحدٌ؛ وإنَّما هو ساتِرٌ بينَ جهتَيْنِ أو شيئَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>