للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣)[الأحزاب: ٥٣].

في هذه الآيةِ: تعظيمٌ لحُرْمةِ بيتِ النبوَّةِ، فحرَّم الدخولَ إلى بيوتِهِ إلَّا بإذنِهِ ولو كان ذلك لحاجاتٍ، وذلك بعدَما فرَضَ اللَّهُ الحِجابَ عليهنَّ؛ زيادةً في تطهيرِ بيتِ النبوَّةِ، ودفعًا للحرَجِ الذي يجدُهُ النبيُّ مِن كثرةِ الناسِ الواردينَ إلى بيتِهِ بحاجاتِهم فيُؤذُونَهُ ويُؤذُونَ أهلَه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾.

وفي هذا: عِظَمُ حياءِ النبيِّ مِن أصحابِه، مع علوِّ مَقَامِهِ وسيادتِهِ في الخَلْقِ؛ فإنَّ الرفيعَ عادةً يَجسُرُ على مَنْ دونَهُ ولا يجدُ في نفسِهِ حياءً كما يجدُهُ ممَّن هو مِثلُهُ أو فوقَه؛ وهذا مِن كمالِ الخُلُقِ وصِفاتِ الأنبياءِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)[القلم: ٤]، وقد جاء في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ؛ قال: "كان النبيُّ أَشَدَّ حَيَاءَ مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا" (١).

والحياءُ ممَّن دونَ الإنسانِ هو محلُّ اختبارِ كمالِ الأخلاقِ ونُبلِها، وأمَّا حياءُ الإنسانِ ممَّن هو مِثلُه وفوقَه، فيجدُهُ أكثَرُ الناسِ.


(١) أخرجه البخاري (٣٥٦٢)، ومسلم (٢٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>