للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلِباسِهِنَّ عن غيرِهِنَّ؛ دفعًا للفتنةِ، ودفعًا للتعدِّي عليهِنَّ ممَّن في قَلْبِهِ مرضٌ.

وعَدَّ جماعةٌ مِن الأئمَّةِ: أنَّ آيةَ الأحزابِ نزَلتْ بعدَ آيةِ الزِّينةِ في النُّورِ في قولِه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١]؛ كابنِ جريرٍ وغيرِه؛ ويُفسِّرونَ آيةَ النورِ على إبداءِ الزينةِ الظاهرةِ، ويُفسِّرونَ آيةَ الأحزابِ على الحِجَابِ التامِّ وتغطيةِ المرأةِ وَجْهَها، فيجدُ مَن ينظُرُ في كثيرِ مِن كتُبِ التفسيرِ أنَّ كلامَ المفسِّرِ الواحدِ في آيةِ النورِ يَخْتلِفُ عن كلامِه في تفسيرِ آيةِ الأحزاب، فيُقرِّرُ هناك ما لا يُقررُه هنا؛ كابنِ جريرٍ: في النورِ يقولُ كلامًا في إبداءِ الزينةِ وظهورِ الوجهِ (١)، وهنا في الأحزابِ يأمُرُ بتغطيتِه (٢)؛ لأنَّه يرى آيةَ النورِ قبلَ آيةِ الأحزابِ، فيُفسِّرُها على ما أُنزِلَتْ عليه، لا على ما استقَرَّ عليه الحُكْمُ، ومَن لَا يفهمُ هذا، الْتَبَسَ عليه كلامُ الأئمَّةِ؛ حتى أصبَحَ كلامُ كثيرِ مِن الأئمَّةِ عندَ تفسيرِ وآيةِ النورِ محلَّا للتتبُّعِ والأخذِ بالمُشتبِهِ عندَ مَن يَجْهَلُ ذلك، وقَدْ بَسَطْنَا الكلامَ على مسألةِ لباسِ المرأةِ وسترِها في كتابِ "الحِجَاب في الشَّرع والفِطْرَة"، وفي آيَةِ الزِّيَنَةِ مِن سُورةِ النُّورِ مَزِيدُ كلامٍ في هذا الكتابِ.

* * *

* قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢].

في هذه الآيةِ: عِظَمُ الأمانةِ، وخطورةُ شأنِها، وجليلُ قَدرِها وتَبِعَتِها على أصحابِها، وأعظَمُ الأمانةِ: حقُّ اللَّهِ الذي تحمَّلَهُ الإنسانُ


(١) "تفسير الطبري" (١٧/ ٢٦١ - ٢٦٢).
(٢) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>