للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* قال اللَّهُ تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٣ - ٢٤].

ليس في تفصيلِ قصةِ الخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اختصَمَا عندَ داودَ شيءٌ، وسببُ فتنةِ داودَ في ذلك ليس فيه شيءٌ يثبُتُ في المرفوعِ، ولا شيءٌ عن الصحابةِ، وقد رَوَى يزيدُ بنُ أبي زيادِ الرَّقَاشيُّ عن أنسٍ فيها خبرًا، وهو ضعيفٌ (١).

وهذانِ الخَصْمانِ اختصَمَا لداودَ في أنَّ لأحدِهما تسعًا وتسعينَ نعجةً، وللآخَرِ نَعْجةً واحدةً، فطَمِعَ صاحبٌ الكثيرِ في القليلِ الذي مع أخيهِ؛ ليُكمِلَ ما لدَيْهِ فتكون مئةً.

قال الأخُ صاحبُ التِّسْعِ والتسعينَ نَعْجةَ: ﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾؛ يعني: أَطْلِقْها وأَعْطِني إيَّاها.

وقولُه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾؛ يعني: غلَبَني في قولِهِ وإلحاحِهِ عليَّ، فظَلَمَني وقَهَرَني؛ إذْ أخَذَ النَّعْجةَ إلى نِعَاجِه، وترَكَ أخاهُ بلا شيءٍ.

وفي قولِه: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ دليلٌ على أنَّ ما أُخِذَ مِن الحقوقِ بسيفِ الحياءِ والإلحاحِ: لا يجوزُ، ويجبُ أنْ يُعادَ إلى صاحِبِه؛ وذلك أنَّ لكثيرٍ مِن النفوسِ كَسْرًا وضَعْفَا، فتُقهَرُ بالحياءِ؛ كمَنْ يُطلَبُ حقُّه بثمنٍ بَخْسٍ مِن رجلٍ عزيزٍ أمامَ مَلَأٍ، ويُستحَثُّ فيه كَرَمُه، وأنَّ الناسَ تُعيِّرُهُ إنْ باع بغيرِ بَخْسٍ، فببيعُ خَجَلًا مِن الناسِ؛ فهذا البيعُ باطلٌ، والمالُ أُخِذَ بغيرِ طِيبِ نَفْسٍ.


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٢٣٩)، و"تفسير ابن كثير" (٧/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>