وقولُه تعالى: ﴿وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ خَصَّ اللَّهُ النساءَ بالذِّكْرِ مع دخولِهِنَّ في عمومِ قولِه تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ فهُنَّ مِن القومِ؛ وذلك لأنَّ النساءَ عادةً لا يُطلِقْنَ ألسِنَتَهُنَّ إلَّا في بعضِهِنَّ؛ لِمَا فيهنَّ مِن الغَيْرةِ أكثَرَ مِن غَيْرةِ الرجالِ بعضِهم مِن بعضٍ، فكلامُ النساءِ في النساءِ وسُخْرِيَّتُهُنَّ بهنَّ أكثَرُ مِن كلامِ الرجالِ في الرجالِ وسُخريتِهم بعضِهم ببعضٍ، وكذلك: فإنَّ النساءَ لا يُخالِطْنَ الرجالَ ولا يَعرِفْنَ عيوبَهم وأحوالَهم؛ وإنَّما يتخالَطْنَ بينَهُنَّ، والإنسانُ يُطلِقُ لِسانَهُ فيما يراهُ ويُبصِرُه؛ فغلَبَ إطلاقُ النساءِ بالنساءِ، وذلك غالبُ ما يقعُ مِن النساءِ، ولا يتكلَّمْنَ في الأقوامِ والشعوبِ والقبائلِ والأُممِ بالسُّخْرِيَّةِ كحالِ الرجالِ.
ومِن أسبابِ تخصيصِهِنَّ بالذِّكْرِ: أنَّ جرأةَ المرأةِ: في لسانِها، وجرأةَ الرجلِ: في جوارحِه؛ ولهذا جاء نهيُ النساءِ عن إطلاقِ اللَّسَانِ أكثَرَ مِن الرجالِ، وجاء نهيُ الرجالِ عن إطلاقِ الجوارحِ أكثَرَ مِن النساءِ، واللَّهُ أعلَمُ.
ومِن المفسِّرينَ: مَن جعَل الخِطابَ الأولَ في قولِه: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ خاصًّا بالرجالِ، ولفظُ (القومِ) مِن الألفاظِ العامَّةِ التي قد يُرادُ بها الخصوصُ، وقد جاء استعمالُها في القرآنِ للرِّجَالِ، وجاء استعمالُها للرجالِ والنساءِ.