لا يخرُجُ عن طلبِ الحقِّ إلى البَغْي والتشفِّي والتعبيرِ، وكثيرًا ما يكونُ المظلومُ ظالمًا؛ لكثرةِ بَغْيِهِ على ظَالمِهِ بالقولِ، وتسلُّطِهِ على عِرْضِهِ بالعَيْبِ؛ فيصيرُ ظالمًا وهو يَحسَبُ نفسَهُ مظلومًا.
ومَن كان مظلومًا بأخذِ مالِهِ أو انتقاصِ عِرْضِهِ، فيجوزُ له ذِكرُ أخيهِ بما يَكْرَهُهُ بشرطَيْنِ.
الأولُ: أن يكونَ ذِكْرُهُ له عندَ مَن يرجو أنَّه ينصُرُهُ ويُنصِفُهُ؛ سواءٌ برأيٍ أو سلطانٍ، ولا يَتكلَّمُ لذلك عندَ مَن لا يرجو منه نصرًا ولا رأيًا.
الثاني: أن يكونَ بالقَدْرِ الذي يكفي فيه بيانُ الحالِ؛ فلا يَزيدُ كلامًا في غيرِ مَظْلِمَتِه، ولا يُكثِرُ مِن التظلُّمِ بما يخرُجُ عن طلبِ النُّصْرةِ إلى التشفِّي والبَغْي.
الحالةُ الثانيةُ: المُعَرِّفُ، الذي يعرِّفُ بأحدٍ عندَ مَنْ لا يَعرِفُهُ ويحتاجُ إلى معرفةِ حالِه؛ كالسؤالِ عن أحوالِ رُوَاةِ الحديثِ والأخبارِ؛ ليُعلَمَ صِدْقُهم مِن كَذِبِهم، وكذلك التعريفُ لتمييزِ الأشخاصِ بلا تَشَهٍّ وهوًى؛ كوصفِ أحدٍ بأنَّه أعمَى أو أعرَجُ أو قصيرٌ أو طويلٌ تعريفًا لا تنقُّصًا، وأمَّا إنْ كان وصفُهُ في سياقِ تنقُّصِهِ لا في سياقِ التعريفِ به، فذلك غِيبَةٌ محرَّمةٌ، وفي "السُّننِ"؛ أنَّ عائشةَ قالت: قلتُ للنبيِّ ﷺ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -تَعْنِي قَصِيرَةً- فقال لها رسولُ اللَّهِ ﷺ:(لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً، لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ، لَمَزَجَتْهُ! )(١).
الحالةُ الثالثةُ: المُحَذِّرُ مِن صاحبِ سُوءٍ؛ فلا حرَجَ مِن ذِكْرِهِ بما هو فيه؛ بشرطِ أن يكونَ التحذيرُ منه عندَ مَن يُخشَى عليه منه وَيَعْنِيهِ ذِكْرُهُ بما يَكرَهُ؛ وذلك كالتحذيرِ من خيانةِ تاجرٍ غيرِ أمينٍ عندَ مَن يُشارِكُهُ، وكالتحذيرِ مِن زوجٍ فاسقٍ يُظهِرُ الصلاحَ ليتزوَّجَ وهو خلافُ ذلك.
(١) أخرجه أحمد (٦/ ١٨٩)، وأبو داود (٤٨٧٥)، والترمذي (٢٥٠٢).